رسالة مبتورة الأرجل – رغد عبد اللطيف

أشخاص:
بلدان:

رسالةٌ مبتورَةُ الأرجُلِ

لن تصلَ إليك، 

حتى وإن أشرَقَت شَمسُها مِثلَ الغَد 

أعلَمُ أنَّ مشقةَ المُضي كارِثية، 

وطريقَ التجاوِزِ دُسَّت بهِ أشواكُ الحنين 

أنا ونفسي المُتْعَبَةُ، بخطواتٍ خائبة، 

وأقدامٍ عارية، طريقٌ صاخبٌ رُغمَ هدوئِه،

نقفُ على أولِ يومٍ، بينما أنتَ تقفُ على خطِّ النهاية، 

متأهبًا للرحيلِ، آخذًا معكَ آخرَ نسخةٍ سعيدةٍ لنا.

لا، لن أفتقِدَكَ أبدًا.

لا شيءَ سوى قلبٍ مُلتاعٍ 

 وقراري المحسوم الذي غيّر كُلَّ شيء 

حتى ملامحَ المكان، 

ولحنَ تهويدةِ الحُبِّ الذي عاشَ فيه!

كان كمشهدٍ شنيعٍ

وأنا كنتُ الطفلَ التائه

 يبحَثُ عن منفى من وحشةِ المكان 

ويهرع ليختبئ داخل السراديب المهجورة 

وياليتها كانت أقلُّ وحشة مما كان عليه الشَّارِع

لا يقتلني سوى فَزعي / أو ربما أملي. 

*

«صامِت»

‏كأنهُ فراغ،

‏أو صقيعٌ مجهولُ المصدر 

‏ينافي ظِل الظروف ويعيشُ بروحه ‏البارِدة،

أينما حلّت وارتحَلت واختلطَت بألوان الحياة 

‏لا لون يتلبَّسُها سوى الأسود،

وكان يُشبهُ سرابيّة الظِّل في حضور العتمة، 

‏كالكلمات الباهِتة، ‏كوُجوهٌ صفراء 

‏كجسدٌ أصابَهُ الخَوَر 

‏كلوحة رسَّام يحاكي الموت

‏كمعزوفة صمَّاء في ألحانها أوجُه الأسى، 

‏يشبه كلَّ شيءٍ باهِت 

‏ريثما تراهُ تُراهِن على مَوتِه قبل الغَدِ

‏ولكن، ثمََة ضوءٌ طفيف يُبقيه على قيد الحياة

‏كان ذلك هو الأمَلُ.

لصوتي الارتداد الحنونُ نفسهُ

أنادي باسمه مرارًا وتكرارًا 

فإذا بصوت عذبٌ رخيمٌ يردّ على نداءاتي كل مرة،

يربِّتُ بيديه السَّرابيتان على كتفيّ ويُلقي بأوجاعي على الهاوية،

كان كالظِّل يتبَعُني ‏و كالنَّورِ يسطَعُ بي،

‏وظَلّ صوتي يُنادي ويُنادي، حتى أَلِفت أُذُنايَ رنين السِّين وسكون النِّون. 

«أحدهم اجتاح أرضي»

أرى على وجنة تلك الأرض احمرار، وخجلٌ في ملامِح حقولها المخضرَّة، فاستَدْللتُ من مُخافتة الاشجار آنذاك أنكَ عبرتَ من هُنا، و سقطت منك سهوًا خطوةٌ صغيرة خبَّأتها منابِت الزَّهر في باطِنها، لكي تستَرِق منها بضعُ أخبار عنك

‏علّ الخطوات تنطقُ يومًا، بآمالٍ وإن كانت زائفة.

« مشهَد »

أسترِقُ من ضفافِ النوافذ أحاديثَ الحوائط 

و آخر أخبار دقائقُ السّاعة 

و إيقاعات المُوسيقى التي يكررها المذياعُ كلّ صباح 

وخطواتُ الرَّيح عبر رقصات السَّتائر،

أتأمل هذا المنزل 

أترُك خلسة نظرة بريئة 

علّها تجدُ جوابٌ صغير عن حال الأسرة السَّاكنة هُناك 

أو مشهدٌ دافئ ، تحتفظُ فيه خلف أبواب الذاكرِة

ترسُم خيالاتي صورةٌ زائفةٌ لي وأنا معهم 

خلف هذا الاطار الاسود وهذه اللوحة العتيقة 

 تتواجد تلك النسخة السعيدة،

 التي بقيت معلّقة آنذاك ولم تعبُر خطّ العُمر معي.

ـــــــــــــــــــــــ

*مختارات من رغد عبداللطيف

زر الذهاب إلى الأعلى