يومٌ هائل – أحمد الملا

أشخاص:
بلدان:
فنانون:
في هذه القصيدة، ينصحنا أحمد الملا بالحياة، قائلًا:
  • سمِّ ما تريد كما تشتهي
  • لا تهرق ماءك في طلب الغفران
  • ولا تتردد في أخذ الثأر بأسنانك.

يا له من يوم هائل..

بهذه العبارة، أو بالأحرى بمعناها عليك أن تنهي اليوم، وكلَّ يوم.  

أن تنهضَ.. وتُسَمِّي الأيامَ بأسماءَ مَلأى بالمعنى.  

بل أن تنهضَ وتُسَمِّي الأيامَ بأفعال ترتكبها عُنوةً، وليس أسماءَ ورثتـها أو صفاتٍ استعرتها من السابقين.  

عليكَ أن تنحتَ ما تريدُ برغبةٍ لا تقلُّ مهارةً عن صائغٍ يُعالِجُ الذهبَ بالنار والمِخْرَز.  

ولا تلتفت أبدًا..  

لا تلتفت أبدًا فيُداهمَكَ الوقتُ، ويَمْرُقُ من بين جنبيك كأفعوان.  

امضِ بشهوةِ المشتاقِ قبيلَ الموت، وافترعِ اللحظاتِ بشجاعةِ الخائفِ على عياله.  

انتهـبـها.. كأنها كأسكَ الأولى بعد صحراء خالية، وتجرَّعها كما قُرصانٍ في بحرهِ الأخير.  

لا السبتُ سبتٌ ولا الأحد، إن هي إلا هذا النور العابر من خرمٍ ويضيءُ مائلاً في خطٍّ طويل.  

كل سطرٍ سيختفي.. ليتـلُوه آخر، وأنت تُحدِّق بين خطواتك مرتعبــًا خشيةَ أن تَزِلَّ قدمُك وتهوي في فراغٍ مظلم.  

لهذا لا تنتبه، وتعيدُ تسميةَ الأيامِ كما اتَّفق.

قُــم.. قُــم.. واركل غطاءً يعزلُ رغباتِكَ ويرتبها في أدراجَ مؤجلة.  

هكذا يوهمُكَ بمعطفٍ للبرد، 

بمظلةٍ حين تمطر، 

وبمروحةِ الصيف،  

وكأنكَ خانعٌ له، 

ولا تحلمُ عاريًا تحت مطر غزير، 

أو تلعبُ بالنارِ في عز الشتاء، 

أو تقضمُ الثلجَ كلما عَنَّ للشمسِ أن تدهمك، 

قُل لي من علَّمك

هل سألتَ يومــًا 

إن أردتَ السبتَ سبتاً أو الأحد؟  

وهكذا.. 

لا الاثنينُ اثنين، ولا الثلاثاء، 

ما لم تخرج عاريًا من نومك، 

تشقُّ الهواءَ بضحكةٍ ماجنة، 

وتدعك عينيكَ بدهشةِ أعمى رأى 

تَنقَضُّ بنَـهَـمِ الجائــعِ والفقير والمحروم، 

وتتحدثُ بألسنةٍ عدةٍ 

كأنما طارقُ الموتِ لحوحٌ على الباب  

تنشبُ نظراتك فيما تتخيل، 

وتضعه على الطاولة حيـًا

أن تشمَّ رائحةَ الحِسَانِ بنفسٍ طويل، 

فتقلبهنَّ على بطونهن.  

أن تصعدَ السطحَ بقفزةٍ واحدةٍ.. وإلا.. 

لا الأربعاءُ أربعاء ولا الخميس  

دع يدك تسابقكَ، وشفتيك، 

وانحز لكل قَصِيٍّ نَسِيَه الغافلون  

اسبق اليقظةَ إليه وانهب ثمالته بلا ترددٍ ولا كتمان، 

لينتفضَ جسدُك وتغشاكَ رعشةٌ، 

ويبتردَ ظهرُك عَرَقٌ بارد كلما انتبهتَ لوجهكِ في المرآة  

ليكن خلفَ ظلكَ ضجيجُ العابر حين يفجرُ، وأثره السخي.  

تنفس..

تنفس.. كأنما تملك تسعـًا وتسعين معنى للموت، 

ولا تجدُ إلا نافذةً وحيدةً للحياة.  

دع الجمعةَ في جمعته غافيًا ومثخنًا بجراحه، 

ولا تضع علاجَه البـيـِّنَ من الغصن.  

صِل الليلَ بالنهار، 

فلستَ فلاحًا لتصطبرَ على الزهر، 

ولا حديقةَ العجائز فتتأمل.. 

وترسلَ تنهيدةً تلو أخرى.  

اقلبِ الظهيرةَ ضحًى.. والأصيلَ فجرًا، بل دحرج المساءَ من علٍ بعد أن تملأه حصىً، وانصب على قمةِ الليل خِرْقةً تدلُّ السكارى بذنوبهم.  

هيا، سَمِّ ما تريد.. كما تشتهي، لا تُهرق ماءك في طلبِ الغفران، ولا تتردد في أخذِ الثأرِ بأسنانك.  

هيا… هبَّ كما ريح، لا تحتسبُ جبلًا كان أو سهلا، اقفز مرةً وكأنها الآخرة، واضرب بكعبكَ الأرضَ صارخــًا:  

يا له من يومٍ هائل، يا له.. من يوم هائل.  

لكنه السبتُ، الأحدُ، الاثنينُ، الثلاثاء، الأربعاءُ، الخميسُ، الجمعةُ …وهكذا.  

ها أنت تقف.. ها أنت تقف على تلِّ نهار شاحب.  

ترى أيامكَ تتدافعُ كالشياه، متشابهةً مثل ثغاء، خرقاءَ بلا حنين.  

أيامًا تراها فارغة من كثرة تكرارها، تعصرُ جبينكَ دون أن تـُميـِّـزَ بينها.  

أيامــًا .. مثل قواريرَ مهملة القفلِ، مغبرة وغير صالحة للاستخدام ثانية، ولا حتى للتذكر.  

هيا.. هيا.

زر الذهاب إلى الأعلى