إستوريل – أحمد العشري

اقتربتِ ببطءٍ تام، كأنك تحاولين طبع قبلةٍ تثبتُ الزمن

أشخاص:
بلدان:

في مقهى إستوريل، حيثُ تُعانقُ البيرةُ أحلامَنا

نلتهمُ زجاجةَ التأخيرِ،

وأنتِ بجانبي كغيمةٍ ناعمة،

تتنقّلين بين الصفحاتِ واللوحاتِ

لتتراقصَ أطيافُكِ بينَ ظلالِ الذاكرة

إستوريل القاهرة إستوريل - أحمد العشري

إستوريل مطعم ومقهى قديم في وسط القاهرة

أشعلتِ حواسي بنورٍ غيرِ مألوفٍ،

نظّاراتي بين يديكِ، بعدَ خلعها عنوةً

كنتِ تكتبينَ قصائدَ الفراق،

تحاولينَ جاهدةً أن تُصوّري ما لا يُفهَمُ،

لكنَّ الكلماتِ تاهَتْ،

تخشى أنْ تتركَ أثرًا لن يُمحى

عيوني،

لا أملكُ غيرَها،

ارتديتِها

فبدت كلُّ التفاصيلِ تنبضُ بالحياة،

كأنَّ الشمسَ رقصَتْ على شفتيكِ،

وكلُّ الألوانِ واللوحاتِ في المقهى

استدارتْ، لتُغنّي لحنًا لا يفهمه

إلا نحن!

كنتِ يا حبيبتي سليمةَ النظرِ،

لكنَّ حينَ ارتديتِ نظّارتي،

تبدَّلَ العالمُ في عينيكِ،

رأيتِ ما وراء العتمةِ،

وكلُّ الكؤوسِ ترقصُ في روحكِ،

الثملة!

تغنّينَ الآن لحنًا لا يفهمه إلا أنتِ،

كما لو كنتِ تجري على أوتارِ جرحٍ

قديم!

الحروفُ تعاندُكِ، تفرُّ كأوراقِ الخريف

وبينما كنتِ ترين،

تلاشى الضبابُ عن عينيكِ،

وصارت العتمةُ صورةً عابرةً،

كلُّ ما كنتُ أراهُ، صار نافذةً لكِ،

كأنَّنا على ضفافِ حلمٍ لا ينتهي

كلُّ الخريفِ القريبِ،

صارَ لوحةً تُرسمُ،

تُجسِّدُ الأملَ وسطَ العدمِ

بينما الجرحُ يستمرُّ في نزيفِه،

عالقًا بين الذاكرةِ ورغبةِ النسيانِ،

كلُّ الأشياءِ الآن،

تتلاشى

عينانِ تتشابكان،

وفي قلبِ كلٍّ منهما،

أصداءٌ لم تُمحَ

اقتربتِ فجأةً،

نظراتُكِ عميقةٌ ملأى بالشوقِ..

عيناكِ تستقرّانِ في عينيَّ

اقتربتِ ببطءٍ تامٍّ،

كأنّكِ تحاولينَ طبعَ قبلةٍ تثبتُ الزمنَ،

لكنني تراجعتُ بلطفٍ

خشيتُ أنْ أتركَ أثرًا،

كأنَّ تفاديَ تلك القبلةِ

كان طريقًا إلى الأبديةِ المُرهقة،

لحظةً تائهةً بين رغبةٍ دافئةٍ

وخوفٍ باردٍ،

فبقيتِ القبلةُ بيننا،

وممارسةُ الحبِّ

وكأسُ النبيذ

وصوتُ النادلِ “أيمن”

وقطتُهُ الميتةُ

وابنتُه التي تُشبِهُكِ!

إستوريل يُغنّي ونُردّد معه:

“وفي الشتاءِ نفترق

نكتبُ قصائدَ الحنينِ،

بينَ عطرِ البيرةِ وضوءِ الشموعِ”

ثمَّ جاء موسمُ الخريفِ والقنابلِ،

ينسجُ حولَنا عباءتَهُ الصامتةَ،

لم نجدْ مخرجًا من ضوءِ أشباحِ المساءِ،

ينزعنا من أحلامنا المتشابكةِ

وادّعيتِ أنَّ الحبَّ تلاشى

كدخانِ السجائر،

وأنتِ تضحكين،

” كلُّ الأوراقِ تتساقطُ في عينيَّ،

كلُّ شيءٍ يتلاشى ببطءٍ،

ولم يبقَ سوى الصمتِ”

كأنَّ القدرَ أهدانا تلكَ اللحظةَ،

عندما رأيتِ العالمَ

مع كلِّ لمسةٍ من عدستي،

فصارتِ الرؤيةُ واحدةً،

وكلُّ الضوءِ والسحرِ قد خفَتَا،

وعُدنا بعيونٍ لا تُخطئ.

——–

أحمد العشري – القاهرة  

21 اكتوبر 2024

3:35 صباحًا

زر الذهاب إلى الأعلى