السوريات
رسمن على الجدران أغانيهن
بعفوية يومياتهن الصاخبة
طلينها بمواويل الفرح و أهازيج شعبية
لحن هدهدن به لطفل حتى ينام مازال دافئا يشدو
وفي كل ركن من أركان البيوت تشم رائحة البخور يتطاير من كلمة “يقبرني ”
” يامو ، يا أمي، يما، نانتي، ماما
رائحة إبريق البابونج ودلة القهوة بالهال و شراب الليمون بالنعناع
قصائد وكتب مملوءة بالحب
في مكتبات البيوت قرب الذكريات
قبل الرحيل كدسن الغيم في أسرة أطفالهن
التي يتطاير حولها فراش أحلامهن البسيطة
دمى قربها فردة حذاء تختبىء بداخله حبات عقد لؤلؤ مفروطة سقطت سهوا يوم الطامة الكبرى
عند باب الدار قرب شجرة التوت و زريعة المليسة
تركن صرة تختبىء فيها رقصة الحياة المسروقة التي
كانت توشوش لله شكواهن
عند كل باب و تحت كل نافذة و شرفة
تتركم أشلاء و تتكتظ ذكريات
أقدام بترت في ساحة الدبكة التي كانت تغني للحرية
بينما كان المخبرون يصورونهم
و يسجلون أسمائهم أؤلئك الذين كانوا يحملون الورد بأياديهم
و يرفعون راياتا بيضاء لم تحمهم من وحشية الوحوش
كان الجميع على الشرفات
يرميهم بحبات الرز للبركة
يرشقونهم بالورد و الماء
على رفوف مطابخهن تركن صرخة و كثيرا من الدموع
تتلألأ في صحونهن التي تنزف غياب قدورهن و نيران مطابخهن المطفئة
قطيع من الغزلان يتطاير في حدائق البيوت الأرجوانية
تلك البيوت التي تعرف رائحة عيونهن الخائفة من الغد
غرزن أظافرهن عند مقبض الأبواب الوحيدة التي تئن أرواحها على رحيلهن بعد أن
صارت بلا ظلال
تبكي غياب ضحكاتهن
في الصباحات
و صهيل حضورهن في أمسيات الصالونات
أغصان الزيتون التي
شذبنها نجمة نجمة
صارت دموعا تائهة في الدروب
التي تلفقها خطاهن التائهة
الطيارات الورقية التي صنعنهن بأيديهن لأولادهن
دفنت في
قبور أكبادهن الصغيرة
أي جراح تلك التي تشفى؟
أي موت بطعم الغدر سَيُنسى؟
في دروب الخذلان
تزركشن كل مكان تطأه خطاهن بخرز العقيق المر
و من حبات الحصى على أبواب الخيام تبدعن لوحات فسيفساء القهر
تطرزن على الصخر غرزة من غرزات التطريز بخيوط الميلان و الأورجانزا بإبر من دموع عيونهن
بكل إصبع لون وبكل إصبع نقش للاستمرار بمهارة
متسع من الفرح المنتظر
بطعم الشمس و رائحة جدائلهن التي تبعث الضوء
تيمنا بكسر قلوبهن وغصة الذل في كلمة “لاجئات”
في الدروب المستحيلة حيث
تكملن الحياة بما تيسر لهن من القليل القليل
و الكثير الكثير من الكرامة كصلاة …..
اللوحة ل René Magritte