عائدٌ مني إلي – ملاك لطيف

أعددنا الأرض خصبةً، وتزاوجنا فوقه بوحشيةٍ، بألمٍ، بنسيان

أخذوا أعمارَهُم،

وتركوا لنا الرملَ

تركوا لنا تصوُّرَ أشكالِهم وهم تحتَه،

أخذوا أجسادَهُم،

وتركوا لنا صورةً واحدةً نعيدُ تركيبَها،

لو كانوا هنا.

لكنَّهم أخذوا أعمارَهم وأجسادَهم

علقنا آمالنا على الموت،

قلنا سيأخذُهم، أو يأخذُنا قبلهم

لكنَّ من ماتوا عادوا لنا في المنامات

وكانوا أشدَّ قسوةً وأشدَّ غرابة

عاد ميتي إليَّ في هيئةِ حوت

إذن،

علّقتُ أملي على الموتِ غرقًا

لكنهم أخذوا البحرَ وحبسوني في صحراء

انتابتنا الهلاوسُ،

صرنَا نمشي ونركضُ، ونبكي ونضحكُ، ونحنُ نحلمُ بهم

أولئك الذين أخذوهم حتى من المرايا، من نظراتِ أعيننا،

أخذوا أسماءَهم من أفواهنا،

وصاروا يُفتِّشُونَ داخلَ رؤوسِنا عن ملامحهم

انتابتنا الهلاوسُ ونحنُ نعيد تركيب جثثهم تحت جلودنا

لم تكن جثة واحدةً تدل على الموت،

رتبناهم في قبور عدة،

وكتبنا الأسماء كلها على الشواهد كلها

لم يكن موتًا واحدًا يدل على نفسه

خرجنا معه في الشوارع، رتبنا له الأيام

التي يحلو له أن يدخل فيها بيوتنا

وأعددنا له أجسادنا وأجساد أبنائنا وأطفالنا المحتملين

أعددنا الأرض خصبة داخل أحشائنا

وتزاوجنا فوقه بوحشية بألم بنسيان

لكننا لم نغفل،

لم نغفر

مذ رأينا موتانا في هيئاتٍ أخرى وهم أشد قسوة وأشد غرابة

وحركنا شواهد الموتى الذين أقبلوا علينا في الأحلام

نتذكرهم فيما نرتب أجسادنا فوق السرير

ونرتبُ وجوهنا فوق أجسادنا، ودموعَنَا فوق وجوهنا

فيما تتحرك الأرض من الجهة التي

نام فيها الميِّتُ على يمينه إلى جهة يساره، فتتعرف على قلبه

الأرض

قلب الميتين،

الأرض قلب الميتين

ونحن فوقها أو فوق قلوبهم

تتحرك أنفاسنا

تتحرك أنفاسنا داخل المساحات الفارغة في الجسد ما إن نموت

ما إن نموت ننسى في اليوم

نعلق ما أبصرناه من حلم عن موتانا السابقين

نعدد أسماءهم فوق وصولنا الأرض

نحفر في الأرض طويلاً كي نصل إلى من سبقونا

نصل إليهم عظامًا ويصلون إلينا روائح

نصل إليهم نسيانًا

ويصلون إلينا ذاكرة

حالماً بنفسي

بعودة ميتي إليَّ،

لننام على السرير نفسه

أنظرُ إلى يدي في عظامه وأمسح عنه غبار جلده

وأهيئُ له النوم

ننامُ في الحلمِ نفسه

نرفلُ الصحراءَ نفسها،

ونرمي جسدي وجثته في البحر نفسه

ينام ميتي،

فأنظر إليه

وأفرّقه في الغرفة كي يصير المكان

تنتشر رائحةُ الموت في ملابسي وفكرة من كان في رأسي

أحفرُ أحفرُ..

أحفرُ، وأضع صُرّة مشمومٍ فوق صوته

أحفر كما حفروا له قبرًا على بُعد 30 دقيقة من البيت

ينام ميتي

وأنا أبدلُ جمجمته برأسي

أجرب جسده أو ذاكرة جسده

يأخذ مناماتي

وآخذ جسده 

أمتطي الخوف الذي اعتراه وهو يفلت كتفي

أفلتَ كتفي

أفلتَ كتفي

أفلتَ كتفي، أفلتني الموتُ على الرمل

وبمسافة خمسة أمتار أقيسها في ظلامٍ حبوتُ فيه

أفلت دمه من جسده

هادئ ميتي

هادئ ميتي يزفرُ دمه من أذنيه، هادئة ملامح ميتي

أفلت نظرته الأخيرة على وجهي

نائمٌ ميتي،

ورأسي على يده، رفسوا رأسي بعيدًا

رفسوا رأسي بعيدًا وأداروا جسدي المتغضن بملابسات الموت

لم يتركوا لي فرصة التصديق

حملوه في سيارة موتى

حبسوا جسدينا في مكانين بعيدين

شتّتوا النوم

وصرخوا بأسماء كثيرة باحثين عن اسمينا،

عن صلة قرابة الحي بالميت

ولأني..

ولأني بعيدة عنه مثل صباح

أجرُّ قدمي اليسرى، أجر عباءتي، أجر دمه يابسًا في يدي

لأني بعيدة عنه مثل العودة إلى البيت

مثل دخول السرير

مثل صوت أمٍ

تضرب رأسها على صرتي وتبكي: سلبوني بكائي عليه

عائدٌ ميتي إليَّ،

نائم داخلي

فوقَ صدري

وراء ظهري ملتفٌ حول عنقي

قلقًا من نفسي، أفلتَ كتفيَّ وأزاح جسده عني

خمسةُ أمتار وظلام ودم

خمسةُ أمتار وظلام ودم وصرخة وتبادل أسماء

ثلاثون دقيقة

وصُرّة مشموم

وماء لأغسل تراب ميتي وماء لأروي عطش جثة

ثلاثون دقيقة أحرّك سكون الميت بصوتي ودموعي وسورة يس

أقلق نوم ميتي في أوقات

لن يربك نومه أحد

ثلاثون دقيقة ذهابًا لسقاية الميت

وثلاثون دقيقة للعودة بجثته

سوف يتحرك الميت في قبره

فيما نعبر نحو ميتنا لنتشارك جثته

أفلتَ كتفي..

أفلتَ كتفي…

زر الذهاب إلى الأعلى