بحة في عواء ذئب
1
لا أدري أيّ شيءٍ دفعني للكتابةِ إليكِ
ربما الخوف
ربما التعثرُ في فتحِ حديثٍ مع ربة منزل
كلَّما رأتني لعَنَتْ خوفي
واستمرت في بصقِ النصح.
2
ربما كتمثالٍ عاطلٍ عن العمل
لا أحدَ يعزِّزُ وجودَه غير مناقيرِ الطير
وربما كخاسرٍ يحاولُ أن يلملمَ أوراقَه
ليعيدَ ترتيبَ صفوفِه
والبحث عن ثغرةٍ تعيدُ الرهان.
3
ليس لدي ما أقوله
القصائد ضعيفةٌ جدًا
في إزالةِ ركامِ الدخانِ من صدري
وأنا طفلةٌ
تملكتني ريحٌ
وقذفت بي في آخرِ الممر.
4
سأتحدثُ عنكِ
ربما البدايةُ تسمحُ بالشفاء
وربما يشفعُ لي البحر
وربما الخذلان
وربما نستطيعُ أن نفثأَ معًا
أصنامَ الهيليومِ التي شيَّدناها
5
لن أتحدث عن العالمِ يا عزيزتي
العالمُ بريءٌ منا جميعًا
بريءٌ من العجزِ و الألم
العالمُ انعكاسٌ هشٌّ للذات
حجرٌ في الطريق
ريشةٌ في جناحِ غراب
بحةٌ في عواءِ ذئب
كهلٌ أرهقَه الطريقُ فاستراحَ لظلِّ شجرةٍ
أصابها الطمث
فكنَّا أولَ ورقتين تسقطان منها على رأسِه
على رأسِ العالم.
6
في كلِّ مرَّةٍ أكتبُ فيها نصًّا
أقولُ هذا هو النصُّ الأخير
سأتركُ روحي هنا
سأقطعُ من لحمي في تلك السطور
وألفظُ أنفاسي الأخيرةَ على عتباتِه
وحين ينتهي النصُّ أشرعُ في تمزيقه
هذا النصُّ غيرُ جيد
هذا النصُّ لا يليقُ بنهايةٍ مجيدة.
بنهايةٍ لأمٍ تبحثُ طيلةَ النهارِ عن فمٍ لابنتِها
بصيدلانيةٍ تتحسَّسُ مواضعَ الألم
لتغرز فيها عصبًا جديدًا
عصبًا يثورُ كلَّما نفخنا فيه
بنهايةٍ تليقُ بزوجةٍ نسيت أصابعَها في المواعين
وحين احترقت الوجبةُ طبخت نفسها كبديلٍ واقعي.
7
وهذا النصُّ سأتركه وحيدًا ينزوي في ركنٍ أزرقَ يابس
سأتركُه في أيادي اللصوصِ ينهشون منه خيالًا مهترئًا
سأتركُه على عتباتِ المساجد
في صناديقِ الزكاة
في كروتِ الڤلانتاين
في نفاياتِ الحروب
في النشراتِ الداخليةِ لأدويةِ السعال
سأتركُه على شاهدِ قبري.
9
قبري الذي أدخرُ أموالًا كثيرةً لبنائِه
قبري الذي يتسعُ لأطنانِ الذنوب
وأنصافِ القصائد
ووحده الله
وحده يعرفُ الطريقَ جيدًا
وسيغفرُ لي عدمَ اكتمالِ النص.
ملح الرغبة
بشفتيْن خاملتيْن
يمتصُّ الغياب أضلعي
رشفةً رشفةً
ثلاث غيمات وأغنية
لامرأةٍ
تضفّر ذراعيكَ
بنهج من القُدسية
لامرأةٍ تتأوَّه من فرط العزلة
ربطت في طرف البحر /مناماً
وطفقت تغربُ عن رؤياه
لامرأةٍ تطهو غيابكَ
بملح الرَّغبة
وتسافر فوق النخل
صوب الله
وتساقط كحل المغتربات
بجوف الرؤيا –
أقواسًا
تتوتر دوماً
دون سهام
لامرأة تنتعل خيال الشوق
بكعبٍ عالٍ
وتصفّق لامرأة أخرى
ترسمك بوجه القهوة
نصف إله.
تأويلات الجسد
1
الجسدُ الصدئُ الذي يتركُ بقعًا على القماش
المحاطُ بالاتجاهاتِ وصناديقِ البريد
الموشومُ بأصابعِ الرُّوچِ وشفراتِ الحلاقة
الصالحُ لحشوِ الأيامِ بنهاياتٍ جديدة
هذا الجسدُ يعرفُ طريقَه جيدًا
لا يحتاجُ لمؤشراتِ تداول
ولا رسائلَ قصيرة
مُصفَّى بفعلِ التجربة
كنتُ كلَّما هجرني حبيبٌ
أثبِّتُ مسمارًا في قلبي
ويتولى الجسدُ مهمَّةَ ريِّ الذكريات
الأمرُ مسلٍ جدًا..
بالأمسِ وضعتُ إطارًا فارغًا على مسمارٍ قديم
وأوَّل أمس رشقتُ قميصًا على مسمارٍ آخر
ومن دقيقتين علَّقتُ سلسلةَ المفاتيحِ على مسمارٍ ضال
والدمُ فردُ حراسةٍ يمسكُ إزميلًا في يدِه
كلَّما هدَّد حبيبٌ قديمٌ بزرعِ مساحةٍ جديدة
دقَّ فوقَ رأسِهِ مسمارًا
فتتعادلُ شحناتُ الحواس
وتبرزُ بقعةٌ من الصدأ على حوافِّ القماش.
2
القطاراتُ التي تحكُّ قدمكَ في مبتدأ العمر
ستعبرُ بجواركَ بأمانٍ تام
دون أن تلتفتَ إليك
وتتلاشى رويدًا، رويدًا
حين يخرجُ عمرُكَ من باقةِ العد
ووحده الجسدُ سيقبلُ انحساركَ كاملًا
الجسدُ المثبَّتُ بدبوسٍ على الحائط
المُذرَّى في الريح كفُتاتِ القنابل
المتدفقُ على الممراتِ في انتظارِ القيامة
المثقوبُ بكثرةِ الولاداتِ واحتمالِ الولادة
بجرعاتِ المُسَكِّن ووصفاتِ التنحيف
بالموتِ كفرصةٍ لنزعِ مساميرَ قلبِك
مسمارًا، مسمارًا
دون أن تشعرَ بالألم
لأنَّ الحياةَ واسعةٌ جدًا
ورغم ذلك
لم تمنحنا إجازةً للنسيان!
*نصوص: آلاء فودة
*من ديوان: بحة في عواء ذئب