رغبةٌ في العثور – خالد. ع

الشطرُ الأولُ كان نكتةً،
والشطرُ الأخيرُ كان مشهدَ عنقي وهو يُقصّلُ،
وأنت تعزفُ الصمتَ على أوتارِ الألمِ… بنظراتٍ هامدة،
تعلنُ عن غروبٍ يغرقُ في صدرِ البحرِ.

أن أُغنّيَ لعامٍ آخر!
هل عليَّ أن أقطعَ حبالي الصوتية؟

“كلُّ عامٍ وأنتَ بخير.”
هل قلتَ لي: إنك ما تزالُ تراني بعدسةٍ حية؟
ظننتَ أني أرقدُ في لَحْدِ أحلامِك!
مطويًا ومنسيًا في غرفةٍ بلا نوافذ.
هل أنا أُغرّدُ مع عصافيرِ صباحِك؟

كم أحلمُ لو أستطيعُ استلطافَ الكتابةِ!
كنتُ سأدوّنُ أغنيةً ركيكةً،
بلحنٍ فاترٍ لأُغنّيَها تحتَ المطرِ!
هذه هي قصائدي… ورقُ صفصافٍ مبتل!
تغرقُ في ضحالةِ التعبيرِ السارحِ،
فالشاعريةُ قصرٌ في جبلِ أوليمبوس،
أفشلُ دائمًا في الصعودِ إليه!

تمنّيتُ لو أملكُ القدرةَ على نسيانِ الهجاء،
فلا صوتٌ لدي، ولا أحدٌ أُغنّي له.
تخبرُني أنك تحبُّني بعينيك،
بلغةٍ لا تُسمعُ إلا تحتَ الماء.
تربكُني كثيرًا، تضجرُني قليلًا،
وتخلقُ مسافةً لا تداويها الأيامُ.
أظنُ أني أغرقتُ ديواني الجافَ
طُعْمًا للأسماكِ الحائرةِ.
أُصبتُ بدوارٍ حينها…
لمن أُديرُ شمسي؟

وددتُ أن أترجّلَ
على مسرحٍ خالٍ وأُغنّي
بحنجرةٍ لا يجرحُها شهيقُ الفراغِ
ولا يُفزعُها اختناقُ الازدحام.

مشهدٌ يُحتضَرُ ويعودُ للحياة.

أُطبِقُ أذني على البابِ،
أُنصتُ إلى صوتِ الشتاء…
أتذكّرُ همهمتي.
أستمعُ إلى لحنِ هطولِ المطر،
أتذكّرُ النسيانَ.
أُحدّقُ في ساحاتِ الضباب،
أتذكّرُ الوجودَ.

أفتحُ ثغرَ الجنون… وأتذكّرُ!

“دو ري مي فا صول لا سي دو…
أنا أكتبُك رغمًا عني.”

اسألني…
لماذا لا أُغنّي؟
في هذه الغرفةِ الفارغةِ…
وأتركُ عقلي يدورُ في حضرةِ الأنغام
وأسقطُ طريحًا على فراشٍ من أثيرِ الأوهام.

أتذكّرُ عينيك…

وأستمعُ إلى أكثر الأصواتِ عذوبةً:
وقعُ خطواتِ قلبي على جسدي الهش.
حمّى لا تُغادرُ دونَ استسلام.

وأنا… أتوقُ للحياة.

لا يهمُّ ما يحدثُ،
لا يهمُّ ما يجري،
لا يهمُّ أن تُقلّبَ الصفحة،
لا يهمُّ أن تتجرأَ على السؤال…
فقط اتركني أسبحُ مع الأسماكِ الحائرة.
فما الضيرُ في أن أحلمَ؟

بأن أتشبثَ بأهدابِك
وأسرقُ كلَّ ألحاني
بكل ما يقعُ عليه نظرُك
بداخلي.

الشطرُ الأولُ ما يزالُ يحترقُ في ذاكرتي، مزحة!
والشطرُ الأخيرُ لن يُكتبَ.

أليس من المؤلمِ أن أغفلَ عنك وتُظهرُك لي الحياةُ في طيّاتِها؟
بسطرٍ أو شطرٍ أو حتى مشهدٍ عابرٍ

“أستطيع تمييزَ جميعِ ألوانِ ضحكاتِك.”

أظنُّ أنك التفتَّ بعمقٍ في جذوري…
أين النهرُ؟ أين البحرُ؟ أين منبعُك؟

في ديسمبرَ، كنتُ أقفزُ فرحًا خارجًا من مقبرتي،
كلُّ الناسِ تُحاكي واقعًا خارجَ واقعي.

في ديسمبرَ، كنتُ أركبُ سيارتي أُهمهمُ بحياتي،
كلُّ الناسِ تُناغمُ وتيرةَ المللِ خارجَ متعتي.

في ديسمبرَ، كنتُ مغمورًا بالهزلِ،
كلُّ الناسِ كانوا متطابقين بالسخف.

إلى أن اصطدمتُ بك… وأصبحتُ
أكثرَ الأشياءِ جمالًا ببشاعة!

لا أرغبُ بالكثير،
يكفيني أن أهبطَ بسلامٍ على كتفِك،
وأستمعَ إلى كلمتِك الأولى…
من مخاضِ الصمت!
وأعزفُ الروحَ… بكل تجلياتِها.

كلُّ الوجوهِ لا تعنيني الآن،
صوتُ الكمانِ لا يتوقفُ عن العزفِ،
ورقُ الصفصافِ جفّ…
تلك النكتةُ أصبحتْ مملةً…
الظلُّ يلتهمُ نصفَ رأسي…
أنتَ تخرجُ وأنا ألتفّ وأنظرُ إليك
بصمت… وتُقصّلُ الرغبةُ رقبتي.

زر الذهاب إلى الأعلى