حانةٌ قديمة تفتح لي أبوابها – نسرين المسعودي

يتحرك الكرسيّ من تحتي
أتحسس المسامير في جلدي
تنتصب قدماي العاريتان فوانيس
وتتورم المسافة في أصابعي
أخلع في البيت نعالي
أجوب أركان الوحدة
بين الطاولتين في البهو والأرائك
لأقودني إلى السرير البارد
جثة بلا مفاصل

تهذي الذكريات من معصمي
أراك تسحبني إلى الرقص
على إيقاع موسيقى الروك الصاخبة
تفتح أبوابًا مقفلة فيّ
فنسير معًا في الأهوال
نسابق الأحصنة العليلة
المركونة في جوفي
تمدني بالصهيل من كأسك
فأمدّك بالمواء من جراحي

سهول بنفسجية تخترق الجدران
لتغمر الوحدة بالظلال
ونصير شبحين متعانقين
لتنقضي الليلة

أصحو من حياتي البعيدة
جثة باردة
وقد مات كلّ منا في موعده
وآن للفراق
أن يعيد الأمور إلى نصابها
أن يدوّن اسمينا على المقابض
وأن يهب للمفاتيح
قسوة تمنعنا من الدخول معًا
لنتقاسم الرغيف والحساء
والنوم والشتائم

كل ما يحزنني في الأمر
أن جرائمي ضلت في جواربك
وأن نعالك كانت مسرعة وعنيفة
كالقذائف المجنونة
تكاد تزيل الأعمدة من السقف
وتفقد المكان الجميل وجهه.

****

حانة قديمة تفتح لي أبوابها
فيعلو من بين ضلوعي بكاء الطاولات
التي فقدت أصواتها عند الضحك
واستباحها حطابون جدد

دفء هائل
يسحبني إلى هذا المكان في قلبي
أعاقر فيه خيباتي الجميلة
قطرة بقطرة
تتدفق دمائي من وريد اللوعة
وتملأ لي كؤوسًا من الترحال

ثمة مرح هائل في الحزن
وعوائل تملأ بيتي شعرًا

للحزن صغار و نساء ورجال
يملؤون بيتي بالشعر
يقاسمونني المشاق
يصنعون لي من الملل ضفائر
وقلائد تغطيّ صدري
حيث ينمو الوجع
في شمعدان فضيّ
فوق الطاولة
ترونه موعد عشاء
وأراه قصيدًا شهيًّا

نبيذ الإله يغمر حلقي
ارتشاف يعادل موتي
ليزول عن وجهي لون الشحوب

يا لهذه النشوة الحارقة
يا لرائحة البحر في عينيّ
يا لانكساري

شاعرة
تطبخ الترانيم على مهل في المطبخ
وتقدمها للجياع
ثمّ تنام خاوية.

*نص: نسرين المسعودي

زر الذهاب إلى الأعلى