إله الضجر – صالحة عبيد حسن

تأخذُ الأشياءَ أحيانًا على عاتقها.

أن تقولَ لك أكثرَ مما يَنبَغِي، وهي بذلك تُذكِّرُكَ بلعنَتِكَ، أنكَ في الرؤيةِ؛ محكومٌ بالقاع، وأنَّ الأسطحَ العاديةَ التي يُمجِّدُ خلالَها الآخرونَ عادِيَّتَهم، هي صلاتُكَ الناقصة. 

بالمناسبة، لم تُعلِّمكَ أمُّكَ الصلاة، لم يفعل والدُك أيضًا، وكلما حاولتَ أن تخلقَ طقوسًا لأيِّ شيءٍ في المنزل؛ كان والدُكَ يثورُ غاضبًا، فيما تعاتبك أمُّك بصرامة: “نحنُ خارجَ منظومةِ الطوطم”..  

ولم يكن يعنيك الأمرُ في حقيقةِ الأمر، فكرةُ الطوطمِ، والمنظومةِ.. كنتَ طفلاً يريدُ أن يرتاحَ في رتابةِ الأشياء. 

يصرُّ والدُك على تعليمكَ الكتابةً مبكرًا

العارفُ محميٌّ 

العارفُ سيِّدٌ 

ولا تهمك التراتبية، لا تريد أن تكون سيدًا، تريدُ أن تلعبَ، وفي اللعبِ كانت الفوضى.

“أليست الفوضى هي سيدةُ الأشياء”؟

هذا سؤالٌ يربك والدك، الذي يحدِّقُ نحوك مطولاً دون إجابة، بوجهٍ خالٍ إلا من ارتجافةٍ لشفتين توشكان على إجابة ممكنة، إلا أنهما لا تفعلان. 

تعرفُ اسمَك الكامل، لكنَّكَ تتحرجُ منه. كان والدُك، يعرفُ أن لهذا الاسم امتيازُ الحياةِ خارج نظام الأشياء، وكان يُصرُّ على استخدامِه كُلَّما تعقدَ الموقف، لكنكَ لم تشعر بأيِّ رغبةٍ في فهمِ هذا الأمر. أن يكونَ جَدُّكَ الخامسُ، جسرَك اليومَ للعبورِ ناحيةَ كُلِّ ما هو ممكنٌ لكَ دون الآخرين.. يبدو الأمرُ مغريًا أليس كذلك؟ 

لكنِّكَ تريدُ ما هو على الضِّفةِ الأخرى، المُهمَلة. 

تحرصُ دائمًا على أن تسمعَ  صوتَ تنفُّسِكَ، تُصغي لشهيقِكَ وزفيرِكَ، ضَجِيجِكَ الخاص، الذي يَعزِلُكَ دائمًا عن ضجيجِ الآخرين..  لتَتَذكَّرَ أنك حَيٌ في داخلِ هذه الرتابة. 

العارفُ سَيِّدٌ، 

العارفُ مَحمِيٌّ.. 

تَكتبُها بينكَ وبين نفسك، ثم تَدفِنُها في التربة، وتنتظرُ شَجرةَ المعرفةِ علَّها تقولُ ما هو أبعدُ من إبهامِ الأب.. الذي كَبُرَ، كَبُرتُما معًا، فتباعدتُمَا، هو نحو المزيدِ في الحياة، رغم أنَّ ما يحصلُ للآخرينَ في مثلِ سِنِّهِ هو العكسُ، وأنتَ نحو الأقل، إنَّ كلَّ شيءٍ يَعِدُكَ بالإفراط، وهو ما لا تَراهُ حسنًا من مَوضِعِكَ ذاك. 

قرأتَ مرةً، عن حكايةٍ لرجلٍ كانت قُدرَتُهُ الخارقة، هي أن يعبرَ من خلالِ الجدران، إلى أن حدثَ خللٌ ما، فبقيَ عالقًا في جدارٍ واحدٍ إلى الأبد.

لم تعرفْ إن كانت النهايةُ موجودةً بقصدِ إثارةِ الرعبِ، لكنَّها أخذتكَ بالحسد، لقد حسدتَ ذلكَ الرجل، وأردتَ نهايتَهُ، أردتَ ذلك الضجرَ الأزليَّ.. لم تأخذْكَ المباغَتَهُ يومًا كما حدثَ في تلكَ القصةِ، يومَها اكتشفتَ أنكَ لم تُردْ أن تموتَ أبدًا، لقد عرفتَ أنَّكَ تريدُ أن تبقى عالقًا للأبد، وحيدًا ومُهمَلًا وضَجِرًا. 

كان سكانُ مدينتِكَ في العام 1968 .. قرابة اثنانِ وثلاثين ألفَ نسمة، وأنتَ الآن في 2025 .. لا يُهمِّكَ كم عدَدُهم، ولا يبدو أنَّ أحدًا يكترثُ، لكنَّكَ كنتَ مُصِرًّا على صناعةِ خارطةٍ ضخمةٍ من الأرقام، لمعرفةِ ترتيبكَ الدقيقِ بينهم، إنَّهُ حقُّكَ الطبيعيُّ في أن تكونَ جزءًا من شيءٍ ما.

رقمُك اليوم هو: 

438001

تضحكُ، تتذكرُ أنَّ سكانَ مدينتِك، معروفونَ بتضخمِ الأنا قليلاً، تلكَ طبيعتُهم التي تجعلُك تعتقدُ أنكَ ستضاعفُ هذا العدد، ولكن، لا تعرفُ إن كانَ الأمرُ  ينطبقُ عليكَ.. أيضًا.

تضحكُ

تضحكُ

تَبكِي

تحاولُ أن تصرخَ كما يُفترض،

لكنكَ تصمتُ لتتأكدَ من كونِكَ لا زلت تتنفس.. تحرصُ أن يعودَ تنفُّسُك إلى معدَّلِه الطبيعي.. المُمِلْ.  

بعد لقائكما الرابع أو الخامس، 

أخبرتْكَ بأن ثمةَ شيءٌ مضجرٌ فيك،

وبقدر ما تَحرَّجتْ هي من الأمرِ وراجعته مليًا،

بقدرِ ما شعرتَ أنتَ بالإطراء.. 

هذا تضخمُ الأنا الخاصِّ بك 

هناك شيءٌ فريدٌّ في المللِ اليوم، لعلَّكَ الوحيد، لعلَّك الإله.. ولربما، بهذه الطريقة الصعبةِ؛ عليكَ أن تكتشفَ الأمر.

الصعوبةُ الكامنةُ في خوفِ الآخرين منكَ، وأنتَ تُعلنُ لهم الأمرَ اليوم.. 

أنتَ خارج منظومةِ الطوطم؛

لِأنَّكَ الطوطمُ الجَدِيدْ. 

نص: صالحة عبيد حسن

زر الذهاب إلى الأعلى