جسدٌ يتسكَّع في ذاته – فيليبي غارسيا كينتيرو – ترجمة: عبدو زغبور

وجه

العينان تنظران إلى السماء. يغطيهما ضوء الهواء.
يدان تتلمسان أشكال الفراغ في الأرض.
وفم واحد يقول صمته، بينما الجسد يتسكَّع في ذاته.

البيت


مثل طفلٍ أعمى أجوبُ البيتَ باللمس. أتنصت بعصا الصمتِ فـراغ عظامه.
أمضي في الممراتِ مُتلمساً بين غبار الظلِّ الذي يجهله الفجر.
لا يدخل الليل إليّ، يخرج مني.

**
بيتي مثل الصحراء، ليس له سقف ولا باب، فم فحسب.
بيتي مثل الحجر، ليس فيه عوارض ولا ركائز، قبضة يد فحسب تسنده.
هذا البيت بنيته نازعاً حجارة ومقدماً عظامي إلى الفراغ المتبقي.
البيت مُظلم في ممراته مثل صوتي.
أعيش في البيت الذي أمشي فيه. الذي أرصـده ويتبعني مثـل دودة خلف لحم مريض.
ينهض مع كلِّ صرخة؛ مع كلِّ صمتٍ أهدمه.

**
هنا الأطعمة توقف تحوُّلاتها. تتكدَّس في الحنجرة مثـل أجـنـة ميتــة في ضوء البطن، اللحد الحبيب.

الخطـوات هنـا لا تتقـدم، لا تأخـذ ولا تحـضر، مع أنـه يـسمع ابتعادها حين تجيء وتتعثر بالآخر في الداخل. هنا البيـت لـيـس مـلاذاً إنما بئر أعمى.

هنا الكتابة لا تنادي، لا تضيء.
الأطعمة لا تغذي، الخطوات لا ترحل ولا تأتي: تسقط وتسقط في موسيقا وحيدة وفارغة. الصوت هنا يضيع بين ردهاته المعتمة.

هنا ليس مكاناً.

**

الفئران أكلت يديَّ وشفتيَّ. فقدتُ الموسيقا في معركة الماء.
كيف أتذكّر تحت هذه الأرض نشيد السماء، إذا كانت الذاكرة عشاً للعثّ.

من عيني تنظر الفئران إلى العالم الصامت. أسمعها في السكينة تبتعد مع عظامي الطليقة.



العظام والهواء

-إلى ذكرى يوهان رودريغيز برافو-

يحدثُ أنَّنا لا نستطيع الكلام؛ وأنَّه من غيرِ المُمكن القول.
كلُّ الصمت يرتدُّ ضدنا؛ تهربُ الكلمات واحدة بعد الأخرى،
تبتعد عن الأيادي المغلقة، بعدئذٍ كلّ تفكير يغرق في الداخل،
دون الوصول إلى أي شاطئ، إلى أي سمع؛ إلى أي حنجرة
مـع كـلِّ هـذا الـدويّ. مـن المستحيل القـول، مـن المستحيل الاستماع أيضاً.

وحيداً أقفُ فوق أنقاض هذا الانهيار الكبير، تظهر الحياة؛ حياة
لا يمكن التعبير عنها تنهضُ بجدرانها حاجبة السماء والشمس.
قريب من سرب عصافير، بعينين محترقتين بمحرقته،
رافضاً ما نراه يكبر.

لكن الدم صراخ؛ صراخ يُوقظ الحلم الأخرس. حين حدث ذلك،
الصمت المتواصل داخل القلب؛ صداه يفتح الصَّدر الذي ينبض
مثل ضربات نافدة الصبر أمام بابٍ مغلق.
لكثرة البلاغة التي لا جدوى منها يَخطو الآن هذا الخرس دون خُطی؛
من الدم المُحطَّم، دون مخرج؛ من الصوت الحالكِ، شرك الكلمات في الذاكرة العمياء التي تحضر صورها في الظلِّ الخفيف، في
ذروة الوضوح الذابل.

وها أنت ذا، صديق روحي الوحيد. إلى جانب ابتسامتكَ، أريد شجاعتكَ معي؛ بهجتكَ في قَبضتي، إضافة إلى الأمنية الضارية، أنت فقط من يحفظ وحدة العظام والهواء؛ أجزاء عدمنا في الحب. وداعاً أيُّها المحارب، وداعاً.



نص: فيليبي غارسيا كينتيرو
ترجمة: عبدو زغبور
من مجموعة: محفور (حتى الصمت): أنتولوجيا شخصية

زر الذهاب إلى الأعلى