لا وقت يناسب الأهل (شذرات من صلوات رامبو) – ترجمة: عبدالله حمدان الناصر

أشخاص:
بلدان:

لسنا أسوياء بما يكفي لتعليق صورة الجد.

لقد عمّدتنا القسوة . طاردنا الأسلاف كي نلبس نظارة الحنان. أرهقنا امتداح القمح وكسرتنا هشاشة المواليد. قضينا الأيام والأحلام ونحن ندخن أرواحنا  سراً في دورات المياه.

الوقت متأخر جداً لنحبّ الرحيق.

الوقت متأخر جداً  لنسقي الجذور المحروسة بالسيف وخوف السيد العظيم.

الوقت متأخرٌ ولن يأتي وقت يناسب العائلة.

لا نعرف أباً، نحن الذين ظللنا طويلاً نكتب، وظل الناس يهربون من ظلالنا الشائخة. ولدنا بسيقان طويلة في (غابات قزمة).

لم نرد إيذاء أحد. لكننا كل مرة نفسد كل شيء.

لم نكن نحسن إلا المشي. ومن كثرة المشي صارت لنا أكبادٌ قاسيةٌ وحظوظٌ ضامرة صالحةٌ للسفر.

الوقت متأخر جداً لنحبّ.

الشجرة أبداً  لن تفهم أن المشي هو الجذر ، والعائلة لن تفهم أن المشي هو الأهل.

***********

مشيتُ في مدنٍ مضاءة بعيون الأمهات،  وهربت إلى السجن في سفن (سكرى) مضاءة بالدموع.

أقمتُ وحيداً في فندق الكون. طفتُ بقهوة (هرر)  في موانيء البحر الأحمر والأبيض. نقلتُ رحيق الآلهة من جاوا ومخا. حمّصت حبوب البنّ فوق نار عَدَن. وتزنرتُ بالعملات الغارقة وعيون الغربان الهالكة في صحراء الصومال.

أوصلتُ القهوة لبيوت القهوة في أوروبا. لكن لم تفتني القهوة بل سحرتني الخطوات. لم يصبغ عيني النبيذ بل بسمة النادل.

مشيتُ طويلاً جداً حتى بردتْ وسط يدي كل فناجين القهوة. مشيتُ طويلاً حتى أنك لا تجد امرأةً كاملةً في أوراقي.

مشيت ومن كثرة المشي  اصطدمت ركبتي بالإله.

وحين حملتني السفينة الأخيرة

وعدتُ بساقٍ واحدة للأهل.

قالت الأم :(سعداءٌ هم الذين لا أولاد لهم).

قالت الأخت: سأسهر عليه عسى أن يؤمن.

قالت الجارة: فليدرك الرب من فاتته الصلوات.

والطبيب قال بتواضع الأطباء حين يتورطون: الساعات بيد الله .

أما الأصدقاء الصالحون فكانوا مشغولين ببناء منازلهم، ومصالحة زوجاتهم،

لكن كلابهم نبحت، وغطاني نباحها جيداً قبل الموت.

***********

القهوة هربٌ أسودٌ من كذبة الأهل.

الشمال لا يُنبت البنّ. القهوة سرّة الجنوب والحزن.

أما التبغ فهو غيمة ضائعة فوق جبال الآباء الذين أحبونا أقل من سمعتهم.

الأوغاد، أولئك الذين لم يجربوا القطارات والسفن للهرب من الحب يروقهم وصف شاعرٍ ملعونٍ ب(البذرة الهرمة).

هربتُ من الجحيم والشعر بحثاً عن البذور.

تاجر بذور فاسدة أنا.

فشلتْ محاولاتي في محبة الأشجار فلم أصبح شجرةً ولم ألفت نظر الماعز الجبلي. لكن الرعاة في عَدَن يحكون أن الله كريم. الله كريم يا أختي وشعر رأسي رمادٌ في الثلاثين.

لقد هربتُ من رأس الحكمة.

أنا بخور الله الذي احترق في جزرٍ بدائية بعيداً عن البيت. لكن : هل تفهم الملائكة يا إيزابيلا* معنى البيت؟

هل يصيب عظامها الغرغرينا أو يدخلها البرد، وهل تجيد الملائكة تحميص القهوة يا إيزابيلا كما يفعل الأحباش؟ ما المقابل الذي ينبغي دفعه من أجل ريّ عينين بنفسجيتين؟ وهل الفراغ عملٌ صالح؟

سأنجو إذا نجوت يوماً من عيون الأموات.

لكن الشاعر يسافر العالم كله ، ثم يعود ليموت في مستشفى الولادة.

ولدتُ رماداً بساق واحدة فما جدوى حرقي وأنا رماد، وما جدوى العيش بعد الممات في مقابر الأهل؟


* إيزابيلا شقيقة الشاعر الفرنسي آرثر رامبو

*نص: آرثر رامبو

* ترجمة: عبدالله حمدان الناصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى