محمود درويش ـ ليلٌ يفيض من الجسد

ياسمينٌ على ليل تمّوز، أغنيّةٌ
لغريبين يلتقيان على شارعٍ
لا يؤدّى إلى هدفٍ …
من أنا بعد عينين لوزيّتين؟ يقول الغريب
من أنا بعد منفاك فيّ؟ تقول الغريبة.
إذن، حسنًا، فلنكن حذرين لئلا
نحرّك ملح البحار القديمة فى جسدٍ يتذكّر…
كانت تعيد له جسدًا ساخنًا،
ويعيد لها جسدًا ساخنًا.
هكذا يترك العاشقان الغريبان حبّهما فوضويًّا،
كما يتركان ثيابهما الداخليّة بين زهور الملاءات…
– إن كنت حقًا حبيبي، فألّف
نشيد أناشيد لي، واحفر اسمي
على جذع رمّانةٍ فى حدائق بابل…
– إن كنتِ حقًا تحبّينني، فضعي
حلمي في يديّ. وقولي له، لابن مريم،
كيف فعلت بنا ما فعلت بنفسك،
يا سيّدي؟ هل لدينا من العدل ما سوف
يكفى ليجعلنا عادلين غدًا؟
– كيف أشفى من الياسمين غدًا ؟
– كيف أشفى من الياسمين غدًا ؟
يعتمان معًا فى ظلالٍ تشعّ على
سقف غرفته: لا تكن معتمًا
بعد نهدي – قالت له …
قال: نهداكِ ليلٌ يضيء الضروري
نهداكِ ليلٌ يقبّلني. وامتلأنا أنا
والمكان بليلٍ يفيض من الكأس …
تضحك من وصفه. ثم تضحك أكثر
حين تخبّئ منحدر الليل فى يدها…
– يا حبيبي، لو كان لي
أن أكون صبيًّا… لكنتكِ أنتِ
– ولو كان لي أن أكون فتاةً
لكنتكِ أنتِ!…
وتبكي، كعادتها، عند عودتها
من سماءٍ نبيذيّة اللون: خذني
إلى بلدٍ ليس لي طائرٌ أزرقٌ
فوق صفصافة يا غريب!
وتبكي، لتقطع غاباتها في الرحيل
الطويل إلى ذاتها: من أنا ؟
من أنا بعد منفاك في جسدي ؟
آه منّي، ومنك، ومن بلدي
– من أنا بعد عينين لوزيّتين ؟
أريني غدي!…
هكذا يترك العاشقان وداعهما
فوضويًّا، كرائحة الياسمين على ليل تمّوز…
فى كلّ تمّوز يحملني الياسمين إلى
شارع، لا يؤدّي إلى هدفٍ،
بيد أني أتابع أغنيّتي:
ياسمينٌ على ليل تمّوز.

*نص: محمود دويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى