أحبكِ لأنكِ تشبهين بساتين العالم – محمد العنيزي

أشخاص:
بلدان:

هذه الليلة سأدعوكِ إلى وجبة عشاء فاخر في مطعم يقع على ضفة الشاطئ.. وعلى ضوء الشموع سأتأمل براءة وجهكِ الطفولي وظلال الضوء الخافت تضفي عليه مسحة من الرومانسية.. فأكتشف أنكِ تشبهين الأميرات اللاتي نشاهدهن في الأفلام الكلاسيكية.. وأتخيل أنني أمير شاعر يكتب الرسائل ويبعثها إليكِ.. فتحمل إلى قلبكِ الفرحة.. وتتباهين بها أمام أجمل الأميرات في ذلك العصر.


سأحدثكِ عن أشياء كثيرة.. عن أعمالي القادمة والمستقبل الذي يبعث برسائله.. وعن أمنياتي التي انتظرها على رصيف عمر تتساقط أوراقه.. وكل الأشياء التي أحبها وأحس أن الحياة بدونها فراغ لا معنى له.. وعن كل ما يوجع قلبي.. سأحكي لكِ عن كعكة البلاد التي اقتسمها اللصوص وعن الوطن الذي استباحه أدعياء الدين…. ثم اعتذر منكِ لأنكِ لا تحبين الخوض في السياسة.
سأشعر بسعادة داخلية وأنا أتبادل معكِ أطراف الحديث.. وفي اللحظات التي تلتقي فيها نظراتنا يتحول العالم إلى محطة للقطارات نجلس فيها معا.. ننتظر أن يأتي قطار يسافر بنا إلى مدن بعيدة لا نعرف شيئا عن سكانها.


سأحكي لكِ تفاصيل البداية.. وما الذي حدث يوم التقيتكِ في محل الحياكة عندما كنت تصفين للخياط طول التنورة التي ترغبين في قص جزء منها.. وتخيلتك بالتنورة القصيرة التي تكشف عن ساقين مكتنزتين.
سأخبركِ بأن ذلك اليوم كان مصادفة سعيدة.. وأن أشياء تغيرت في حياتي.
وسأعترف لكِ بأنني مجنون بمظهر هادئ وسترة أنيقة وحذاء يلمع.. وأنني ذلك المساء كنت أسند عواطفي المهترئة إلى جدار المحل كي لا تقع أمامكِ فتكتشفين أنني مخلوق بمزاج قلق.


سأحدثكِ عن شقاوتي الطفولية والمقالب التي كنتُ أرتكبها في الفصل.. وعن عجين الخبز الذي أحمله فوق رأسي إلى الفرن.. والأيام التي مرت بهدوء.. والصباحات المشمسة.. وشاطئ البحر القريب من بيتنا.. وعن الأمواج الصاخبة وعواصف الشتاء التي كنت أتخيلها كمارد أبيض يركض في الشوارع ويقذف الصغار بقطع من الثلج فيصابون بالبرد والحمى.. وتسهر أمهاتهم قربهم بقلوب واجفة ومشفقة.


وسأحكي لكِ عن الأصدقاء الذين تساقطت صورهم الملتصقة بجدار القلب.. وأبناء الجيران الملتحين الذين يذرعون الشوارع بسراويل قصيرة.. والحي القديم الذي أصابه الدمار.. والسنوات الثقيلة التي قضيناها في النزوح.. سأروي لكِ حكايات محزنة لا تروق لمسائنا الرومانسي.. عن الدواعش الذين يمرون في الليل قرب سريري ملثمين ويتساقطون بخفة عند أقدامي.. عن الخيالات المخيفة التي تحمل السكاكين والأعلام السوداء.. ثم أتذكر أننا في سهرة رومانسية.. فأعتذر منك وأحكي لكِ حكايات سعيدة.. وأحاول تقليد أبطال الأفلام الرومانسية في طريقة كلامهم.. ونظراتهم.
هذه الليلة سأعترف لكِ بأنني أحبكِ لأنكِ تشبهين بساتين العالم.


*نص: محمد العنيزي

زر الذهاب إلى الأعلى