مختارات من الشاعر الأمريكي ايه. ار. أرمونز

موعد

سأراكِ الليلة
العصافيرُ التي تعرفُ وجهة طيرانها
طليقة الآن تحت أضلعي:

عيناكِ تحلّقان إلى هنا، إلى عينيّْ
عقلي: أنظر فيهما:
ماذا لو تجمّدتُ

لدى مرآكِ؛ ماذا لو احتَرقْتُ
بالكامل: العصافيرُ يمكن
أن تَنفلتَ وتذهب

باكراً جدّاً؛ أو، السيئ جدّاً
لو حلّقَتْ نَفْسي إليك
باكراً، وما استطعتُ لحاقها.

انبعاثات

في الربيع
يهبّ
هواءٌ
على
جدار
ويرفع

وريقات العام الفائت
أعلى
مما تفعل الأشجار.

سير الأمور

الأفكار تدخل
معظم
الرؤوس من دون

أن تلتقط

شيئاً
أو أن تترك
أثراً.

سيرة نجاح

لم تكن لي علاقات
طيّبة بالعالم

في البداية لم يكن لديّ
شيء ممّا يريده العالم

ثم لم يكن لدى العالم
شيء ممّا أُريد.

صَقلُ حجر بحجر

أرخيتُ
المعولَ المكسور

وفي حمأة الغضب
من الفشل

هاجمتُ حجرَ
الوقت بالـــ

دموع: صمدَ
الحجرُ، لكنَّ الدموع

ليّنَتْ حجرَ
مُكابَدتي.

أقْلِعْ عن ذلك

لا
أريد

أن أُحمل
على محمل الجدّ سوى

أنّي
أتمنى

ألا تُحمل
أمنيتي هذه

على محمل الجدّ
أنها

محمولة حقاً
على محمل الجدّ.

غابات الصنوبر

إنها ساكنةٌ جداً اليوم
حيث إن
انخفاضَ غصنٍ يعني
أن سنجاباً
عَبَر.

العناية الإلهية

أن تبقى
لامعاً كما
لو مجرّدَ
التفكير في
الأرض يتطلّبُ
مجردَ
ألا يبقى شيء.

قراءة

جميلٌ
بعد العشاء
أن أسيرَ
إلى الشاطئ

لأجدَ
أكبرَ شيء
على الأرض
هادئاً نسبيّاً.

أُغنية صغيرة

يفسحُ القصبُ
طريقاً

للريح ويسحبُ
الريحَ بعيداً.

أشجار

الفنُّ ثمرةُ أشجار
الألم،

التي تنمو في حقول حياةٍ
لم تُعَش.

بشكل دائم

عينان أشعّتا توقاً
للحياة

بخسارة
ناصعة.

العلامة

أرجو أن
أكون مخطئاً
أين يضربُ
الصقيعُ
الفراشةَ:
على الظهر
بين
الجناحين؟

ذلك اليوم

جئتِ لزيارتي يوماً
وكالعادة في أحوال كهذه

تتخذُ الأشياءَ معنى؛
ما تؤمنينَ به، كيف

تتلفّتينَ أو تنحنينَ: حين
غادرتِ، شُغِلت مساحتُنا،

آجرة قرميد، وكلّ شيء
يعارضُ الخراب، انزلقَ عن موضعه.

حدود المدينة

حين تفكّر في الشعاع، أنه لا يكبحُ
نفْسهُ لكنه يسكبُ وفرته من غير انتقاء في كلّ
زاوية وصدع ليس في الناتئ أو المخبوء؛ حين تفكّرُ

أن عظام الطيور لا تصنعُ ضوضاءَ مروّعةً قبالة الضوء بل
تتمدّدُ خفيضةً في الضوء كما في شهادة عالية؛ حين تفكّرُ
في الشعاع، أنه سيظهر في الثنايا الأقلّ ذنباً

للقلب المترنّح وأنه سينشرُ نفسَه فوقها،
غير منسحبٍ إلى التنكّر أو العتمة؛ حين تفكّرُ
في غزارة مورد كهذا إذ ينيرُ الأجساد

المتوهّجة بالأزرق والأجنحة المخصّلة بالذهب للذباب المحتشد في القنوات
المهجورة لمذبح أو أنابيب البراز التي لا
تجفلُ إطلاقاً من عواصف كرمها؛ حين تفكّرُ

أن الهواء أو الفراغ، الثلج أو الصخر الطينيّ، الحبّار
أو الذئب، الزهرة أو اللايشن
كلّ منها يُقبَلُ بما يَستوعبُ من ضوء، عندها
يصبحُ القلبَ أوسع، عندها يقفُ الرجلُ ويتفكّرُ،

ورقةُ النبات لا تُكثرُ نَفْسها على العشب، والعملُ
المعتم لأعمق الخلايا هو من التناغم مع شجيرات الزعرور
والخوفُ المضاء باتّساع دعةٍ كهذه يستحيلُ ثناءً.

حميميات رائقة

ما القوّة وما
يسعنا فعله لننقذ

ذواتنا بها أو منها،
أنّى لنا أن نعرف،

إذ تصلنا منخولة، في التلميحات
والصور المزدوجة، يتردّد صداها

من الهيئات المخادعة، من الإعلانات
الصامتة، من حركة الطيور

وأوراق الشجر، إعلانات
من (أجسام) ونقاط ضوء:

فيضان أم بركة، أيّ
كان، يقف عائقاً:

نحن هنا وهناك
نبحر، نغوص، نغرق.

عاطفة

كلّ ما يعيش يموت لكن حتى
الأنهار تجفّ أو تتدَحرج
خارج ضفافها والأراضي الناشئة

أحياناً تزيلُ البحار والمراعي،
القمم التي يعلوها الثلج طوال السنة تبلى تدريجياً:
الأرض نفسها، بالطبع،

تكوّنَت ومع الوقت ستذوي:
فكّر في الأثناء، مع ذلك، في صدمة،
الأشياء الثانوية، مصادفة صديق

التأخّر على مباراة كرة
قدم ابنك، شجرة مائلة
في باحة زاح عنها بيتٌ قديم.

تصميم

القطرةُ تنزّ كاملةً
من العشب الذي على الصخرة
أو من الطّحلب وتسقطُ،

مجتمعةً، لتسيل،
وتجري، وتسقط، وتطرطش،
وتتمدّد في الأعماق الدفينة،

لتندفعَ في المياه الضّحلة، وتتناثر
رفيعةً في المرتفعات،
لكن بعدها تندفعُ شيئاً فشيئاً،

لتدوّمَ جنبَ لا شيء سوى
انفتالَ اللاشيء
لحركةٍ أُهرِقَتْ.

ذكرى
حين كلّ شيء يسوَّى
حتى بالأرض
هل سيحملُنا غصنٌ
أو قصبةٌ
إلى الضوء ثانيةً:

حيث الأقلّ يُصنعُ
من المبالاة
هل سنُشفى من يقظة الخلود
في ورقة نبات:

من اللامبالاة هل سيسعُنا
حزم الكافي
من التوق
لنحفر الخلاء المُعتم: أو حين
الرملُ يكسو الأرضَ

ألن يكون فيها معرفتُنا بالخسارة
وفي الريح العويل.

أضرحة

1.

الإزميل، في تشظّيهِ،
يحفرُ أسماءً
لا تستطيع أن تذروها الرياح

2.

يفتّتُ القلبَ أن الحجرَ يقبضُ على
ما يُفلتهُ الوقت

لكنّ الحجارة هي
الوقتُ الباقي
لمكث الأسماء

3.

الأرضُ مسطّحة أم
متدحرجة من ذرى تلّة، تتناثرُ
قليلاً،
لا انهمارَ يمكن

أن ينظّمَ التدفّقات التي تُزيحُ
الحجارة،
مطابقاتٌ تنطرحُ
من رابية إلى أُخرى

4.

قائمٌ في الخطّ بين
الوقت واللاتكوّن،
في تقاطع
الوقت الاعتيادي الجاري
والوقت الواقف بين
أوقات أُخرى،
وقتُ النِسب والإلكترونات
يمضي كالعادة -ـ حجر -ـ
مستويات من الوجود
في الوجود، أوقات
في وقت، تَعضيةٌ واحدةٌ
تمضي؛ وإلا،
لا شيء يبدو ضائعاً

5.

الروحُ مع أنها لامرئية،
بلا وزن تضيع: تحويمها
أبقى التحويم: لكنّها تحوّمُ
فقط حين يتوقّفُ التحويمُ
تختفي:
حين لا يضيّعُ المرءُ شيئاً
يضيّعُ كلّ شيء

6.

لكن لمَ وَضعُ حجرٍ هناك:
نضعُ هناك حجراً
ثقيلاً جدّاً لنبني به أو لنسيّجَ،
من دون محتوى عضويّ للقيمة،
ثقيلٌ كفاية
ليمسمرَ الوقت،
تذكارٌ، غالباً من دون
تذكّر يُشفي،
صنيعُ مليون حقيقة
ضائعة كلّها

7.

نهيراتٌ من التناثر،
طرق الفساد المتأتي
من مجاراة الأشياء،
متذكِّرون غير متذكَّرين،
ومع ذلك ينادون الإسم
معاً في المرّة
الأخيرة، في الوقت الجديد، في الصباح الجديد،
كلّ المعلومات الصغيرة،
والإسم الذي قيل من قبل،
سيعاودُ الشكلَ الظهور – المسافةُ
بين المسمّى وطوافِ الإسم

8.

شكلُ الغبار في الهواء
يمكن أن يكون تذكاراً
برهةٌ تدلّ على ما يفصلُ بينها،

أن ما مضى
يمضي مع أشياء أُخرى
ماضية

ثباتُ حركة
في الوقت
تصحبُ وقتَها الخاص:

بدلاً من ذلك كتلةُ
الحجر
تقطعُ الاستمرار،

قَطْعٌ يقولُ إنّ
انعدامَ الوقت يرسمُ
الوقتَ الجاري كالعادة

9.

الإسمُ على الحجر يدلُّ على
ما يمكن أن يُعثر عليه ليعني
شيئاً لرأسٍ حيّ:
حين الرؤوس
فارغة
اسمُ الحجر يسمّي الفراغَ،
ليس الذي الآن
ولا الذي لم يكن أصلاً

10.

كما لو أنّ الإسم ليس
عدماً،
حجرٌ، متشظٍّ،

يتركُ لاشيئيّة الإسم
حاضرة،
أثلام غياب

علامةٌ أُخرى لعلامة
تخفّفُ
رسوّ حملها

11.

الأثلام محتشدة بالطّحلب،
مع ذلك، ذلك الربيع
يحكي بالأخضر
والخريف يحترقُ بالبرد ذاهباً
نحو كتاب الشتاء الأسود

12.

طائر يغنّي
لمقبرة كاملة: دفقُ صوته
يلمّعُ الشواهدَ،
يذوّب الأسماء

13.

الريح تهدرُ، تُحوّمُ، تندفعُ،
حرّة تقريباً حتى في سَكناتها،
والريحُ تحملُ الأوراق، الرملَ،
البذورَ، أيّ شيء: المطرُ ينسكبُ،
يوحلُ، يتدفّق: الأرضُ
تُذعن للريح أو المطر، تشدُّ، تسحقُ،
تفورُ: بين التحرّكات
المدوّمة، الحركةُ الطفيفة للحجر
تحفظُ الإسم

14.

حجرٌ يغرقُ في الرمل
كجوهرة في النفط
أو يجمّعُ الرملَ والأوراق
من الريح
ليكدّسَ نَفْسَه بعيداً:
أو المطر يشقّ زاويةً
ووجه الإسم
ينحدرُ إلى الأرض
كما لو أن مناداةَ
كلّ ما ينهضُ عميقاً
سيُنهِضه ثانيةً

15.

حين ينزلقُ تحت نهر جليديّ ربما
أو ينحلّ إلى البكتيريا والجذور
ينعمُ الحجر
ولا يعودُ بوسعه حملَ الإسم،
هل ينهارُ الوجود
المتشبّث، هل يمتنعُ الوجودَ الطيّب
عن الوجود

16.

الحجارة، والأسماء فيها، مجرّد
حجارة: حين الحجر
يمسّ العقلَ تصفّي
الذاكرةُ الحجر

17.

ما يهمّ إذا
سقط حجرٌ أو انزلق
وأساء إدراك هضبة:
إذ ييأس المظهر
الخارجيّ لحجر
ينادي نفسه

18.

الأحجارُ، كما لو أنّ أشكالاً من الذكاء،
تضطربُ: تركّز الضوء
مع ذلك وتملكه:

مع أن كائنات أُخرى تعيشُ أطول من الحجارة
فإنّ نبضاً في مدارات الكون
ينبضُ مرّة كلّ أربعة آلاف سنة:

في نظام زمنيّ ما
الحجارةُ تهبّ كالريح:
ضوءُ النجوم يُفرقعُها كالفقاقيع

19.

أشياءُ الأرض ليست أغراضاً،
ليس ثمة طبيعة،
لا طبيعة للحجارة والجداول، للمزاريب وجذول الأشجار،

ذلك أنّها أحواض طاقة تعدّلُ المكان،
أو أنّها أضواء نجوم
تُدّخر

أو أنّها ضوءٌ مسرعٌ يُكبحُ:
الغاباتُ أخضرٌ بطيءٌ مشتعل
وطرق السدود الترابية

مجرّد عمى خفيف مكثّف

20.

الحجرُ يَبذل
أطول، وأقسى
(جهوده)
ليمسك الوميض
ويبقيه في الذاكرة
أو اللمعان
الذي لمرّة
في عين أحدهم

21.

الأشياءُ الصلبة
تبقى
أطول، ربما،

لكن بشكل جيّد، الأفضلُ:
إذا الريحُ
تستطيعُ حملَ الرسائل:

فقط إذا الأسماء
الخفيفة الملفوظة:
حين الحبّ يمسّ

أعصابنا
ويرسِلُ
ملخّصاً لأدمغتنا

ربّما يُرسل
الملخّص
عبر الاهتزازات

الكونُ هو الكون
حقّاً، شيء عتيق إلى هذا الحدّ
وما يزال المستقبل أمامه

22.

إذا الحبّ جيّد
والحجارة اضمحلالات قاسية،
كيف نقلّلُ من شأن
الحبّ فنكتب اسمه
مضيّعين الحبّ
على مياه النقش القاسية

23.

الضوءُ عينٌ
متشكّلة
في أُطر الحسّ

كيف هذا النبع الصغير
الضحل جداً
والعميق، السحريّ جداً

والمسطّح يستطيعُ
أن يُمركزَ كلّ
التحوّلات

العينُ نفسها
بصرُ البصر
والرؤى المحكَمَة

24.

الكونُ نفسُه
تذكارُ الحبّ
كلّ جرف،
كلّ مرتفع صخريّ
أنفقَ نفسه
في ضوء الحبّ
حتى أشعلها الحبُّ ثانيةً وحرّرها:
تسعون بالمئة
من الكون نجومٌ ميتة،
لكن أُنظر كيف الضوء ما يزال
يسيلُ
في أمداء ألفيّة

25.

لا شيء، مع ذلك، لا الحجر
ولا الضوء يَبقى
كالمكان الذي
أحفظ حبّي لك فيه وهذا

مع أن شيئاً لا يستطيع تدوينه
ولا شيء يحفظه:
اللاشيء
يبقى كفايةً لحفظه

26.

إذا الشواهدُ حُشرت معاً
في كومة واحدة،
سيكونُ هذا تجميعاً رائعاً،
سجلٌ أعلى من
إيفرست:
لكن إذا الوقت فَتّتَ الحجارة،
جَرف الرمال الخشنة،
ذَوّبَ الأشكال
فكلّ الأسماء المترسّبة
لن تَلفظ شيئاً

27.

سربٌ من
النوارس
مرّ، فكّرتُ، لكنّها

كانت هضبةٌ
من الحجارة

28.

حجرُ الحدّ غائصٌ
بلا حجرِ زاويةٍ
مُجيبٍ، لا وصفَ مثلّثاً
للمنطقة، لا مربّع،
نقطة، نقطةٌ
متبخّرة خارج الأبعاد،

لكن يبقى حدّ عميق،
حدّ يَغزلُ عميقاً

29.

الحروفُ،
تحملُ ما تستطيع
حمله في الحجارة

لكن مرسلةً الرقائق أو
الضبابَ بعيداً –
ثقلُ ذرّة من الذاكرة

أو متذكِّرٌ يمضي:
في مئات كثيرة من السنوات،
الأسماء

ستكون خفيفةً كفاية
وكالبالونات
ترتفعُ من الحجر.

———–
أ. ر. أمونز
(1926 – 2001)
ترجمة: سامر أبوهواش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى