بورتريه للصباح – قاسم حداد


الصباح هنا لا يتبع الشمس
صباحٌ أكثر حرية من الشمس
يسبقها ويغرّر بها ويؤجّلها
كلما طابَ للمرأة أن تسهرَ الليل في وحشة النافذة
كلما طال ليل انتظاراتها
فالصباح المُبْكر يسرقها
مسعفاً ضعفها
الصباحُ هنا يبتكر شمساً يؤنس بها المرأة الساهرة.


صباحٌ يتماثلُ كلما حرّكَ الناسُ أعضاءَهم
في الرصيف الذي لا زال رطباً
في انكسار الهواء على شرفة موحشة
في القطارات مكتظّةً بالمرايا البخيلة
بالعصافير مرصودةً للشِراك
غابة غائمة
غير أنّ الصباح الذي يسبق الشمس
سوف يمرّ ليوقظَ رائحة الشاي
والقهوة النائمة.


صباحٌ كثيف يحرّر أحلامنا
ويقايضنا بالتفاصيل
بالأكفّ المدماة ذاهبة للعمل
كلما انتصرَ اليأسُ فينا
يقايضنا بالأمل.
صباحٌ هنا سوف لن يستجيب لمشتهيات الكسل
صباحٌ لنا،
كلما ندمَ الضوءُ في غابةٍ
بدأ المحتملْ.


سوف يمتدّ هذا الصباح
إلى أن تقرر أشجاره الكشف عن شمسه
إلى أن يهرول أطفاله في الحديقة قبل الحصص الموهنة
كأسُ الحليب الحبيب الذي تركَ امرأةَ الليل في عطرها هائمة
وانزاح في خلسة من سرير انتظاراتها
امرأة الليل يا وحدها
والحبيب الذي طار في العربات الأخيرة
في قاع برلين
في الدرجات الكثيرة والنوم
لا يرتبط الصبح بالشمس
هذا صباحٌ يلوّن ما تشتهيه الحياة
ويرسم كل التفاصيل
يوقظ ما انتابها في السرير الذي يغادره طيفها
لاحقاً بالعربات الرشيقة تشهق منسابة
في رواقٍ من الأفعوان
ويوقظها مثل شمسٍ قبيل الأوان
صباحٌ له الشمس تفاحة
له امرأة مثلها
كلما طاش في غامض الليل حلُمٌ لها
شـبّـت النارُ مثل النهارات،
كالشمس في غيمة ضائعة
كأنّ الصباح سينسى
كأنّ الجريدة وهي تؤجّل أحداثه
سوف تنسى
كأن الحبيب الذي سوف ينسى
كأنّ التي شغفت بالتفاصيل تنسى
ترى من يسأل الشمس عن فجرها
وهي تنسى؟


*نص: قاسم حداد

زر الذهاب إلى الأعلى