الموتى لا يضحكون أبدًا – مختارات من سما خفاجي

أشخاص:
بلدان:

كوبُ ماءٍ ممتلئٌ حتى المنتصف 

يعرفُ ما لا أعرِفُهُ عن الأبدية.

نحن مسوداتٌ لما لا نعرفُ عنه شيئًا 

مسوداتٌ لوجودٍ فاسد.

الهاويات العميقة حيثُ تكونُ حرًّا تمامًا.

الطفلُ الذي بداخلنا يبكي بدون أسبابٍ أحيانًا

بالجمال؛ نعير الزمن لخلود تقطعُهُ غفلةٌ جديدة.

نمنحُ الحبَّ والظلالَ صمتنا.

ببالغ الحنان أحتضنك، وأحتضنُ خساراتي.

قطرةُ مطرٍ لا تملُّ السقوط،

أخيرًا تعرفُها الصخرة.

أسقطُ كاختيارٍ وحيد لا تبدِّدُه الشموس.

أسقطُ كعارفة، لا أترددُ أبدًا.

أسقطُ كما الحلم.

تسقط كما رؤياها.

نهبها الزمن الذي كان بين يديها .

لماذا يحبُّ البشرُ الموتى؟

لأنهم ماتوا.

في الظاهرِ عينٌ،

تحت الجلد صحراء.

الليلُ يدركُ تهاوي العشاق،

يضحكُ الأملُ كثيرًا على السذاجة المفرطة .

الأمل هو أسوءُ ما فينا.

الموتى لا يضحكون أبدًا.

الأحلامُ الحزينةُ،

تتساقطُ منها الأشجارُ اليابسةُ والنجومُ المنتحرة .

السعادة أن تعرِّيكَ الخسارةُ،

أن تخسرَ حتى الخسارة.

ما الذكرى؟

أنت في حلم أحدهم .

ما الحب؟

ألا تسمع ولا تبصر.

ما الحزن؟ 

أن تبقى وحيدًا وأعمى في الحب.

العاشقُ هو الأكثرُ صمتًا.

ماهو البحر؟

حلمٌ.

ما الخيبة؟ 

أنت وقد استيقظت سفينةً تغرقُ في النسيان.

من الأقرب؟

الغريب.

الحزن يقتل الأشجار.

عشب الحديقة 

يعرفُ أن الهواء فاسد.

ما هو موطن الأشجار؟ 

السماوات.

ماهو الحنان؟

الليل يطوي النهار.

الألمُ يبني أعشاشه ثم يستقر عميقًا.

للموت نباته، لا يصعد إلا ليموت.

العالم كسير لا تنقصه الخسة.

لا أريد عودتك لنصوص ليلي.

ندرك النهايات

لذلك تأتي مطابقة لكوابيسنا المفزعة.

***

في المساء أطفىءُ الأضواء

أشعل شمعتين أو أصابعي أحيانًا

تنساب مني الأرواح الهائمة، 

الشوارع تمتليءُ بالقطط ذات الحيوات المتعددة، 

والكلابِ التي تعاف البشر

ماذا يجب أن نفعل في هذا الليل؟

هل نتجول في المدينة نقتلُ كتسليةٍ متخيلة، 

نشعلُ النيران في المدينة العفنة؟

العفونة تملأ المدينة،

الشوارعُ الوسخة، احتضاراتٌ في كل مكان، 

جماجمُ مليئةٌ بالثقوب تملأها الأكاذيبُ والرياح، 

أعضاء تناسلية تتدلى هنا وهناك في الفضاءات والغرف المتعفنة

عريٌّ لأجلِ استمناءاتٍ سريعة،

لا أحدَ يشمُّ عفونة الموت

أصغي للموتى يمارسون طقوسهم البائدة

يصنفون الناس ويمنحون الصكوك

مثيرون للغثيان، يستعرضون عطنهم والعفن

لابد من حرائق شاسعة، 

فيضانات غامرة لتنظيف المدن من الموتى فاقدي حاسة الشم

***

ياحبي الوحيد،

كلُّ شيءٍ يتلاشى هنا، 

لا شيء له معنى

لا الحياة ولا الموت

لا حكمةٌ،

لا حراسٌ لمذابحِ الملك،

الروحُ تضلُّ والوادي الخصيبُ امتلأ بالنخاسين بائعي الغد

النيلُ لا يفيضُ

فوق الطرقِ الملتهبةِ توابيتٌ تسافرُ دون وجهة..

مدينةٌ نبتت على جثثِ أحلامِ الضائعين من قراهم

المدنُ الحزينةُ دومًا،

حزنًا يشبه وجوهًا مهدمة

وجوهُ سكانِ المدنِ الضبابية،

تشبه بناياتٍ منهارة …

المدنُ مزدحمةٌ ببشرٍ لا مرئيين،

نام الجميع

بقيت أشباحٌ حزينةٌ تتجولُ مع الكلاب والليل،

مدينةُ تشبه احتفالاتُها جنائزَها

لا خروجَ من المدينة، 

المدينة ستبقى في كل أحلام التيه…

بالتوازي تقرأ ذاكرتها المعبأة في كشاكيل صفراء

تعبر حجرة التخدير

تلقى من عالم لآخر

كإضافة لعناوين أخرى

الجسد مصيدة الألم.

***

لمن تلك الأماني في قصائد لا أجنحة لها

مقصية للصمت للطرقات الخاوية،

منتصف النهار

الصمت يتسلق جدران المنزل

نوم طويل نوم مرير

الغابات التي لم نذهب لها يوما

الوحيدات المتعاطفات يتعلمن اللؤم

ليروين قصصًا ليست لهن

نوم طويل .. نوم مرير

النائمات في القصائد مصيرهن الوحدة.

*** 

اليوم بجوار النافذة

ابتلعت مضادات الاكتئاب 

طعنتك 60 طعنة أو أكثر

بكيت بدموع مجففة

بكيتك بصدق وعميقا

أرجوك لا تعتبرني عدوانية

أنا فقط أمارس طقسًا تنفيسيًا

قتلتك آلاف المرات

***

عقب كل خيبة

كل سقوط

أستعيد تفاصيل وجهك اللامبالي

ثم أشعل سيجارة

**

ذات صباح في المدينة

أفكر في تلك العصافير الهشة

الرمادي ينساب على نافذتي.

***

أنقذني الشعر مرات

من الحافات الخطرة التي أهوى الوقوف عليها،

أنقذني من العماء 

من البكاء على جثث الحلم.

مأخوذة بالحنين للسموات الزرقاء

مهووسة بالضياع وهذياني بالموت

قلبي كان يشبه نصا مفتوحا على البحار

لم ينف الموت، بات محتملا فقط.

أنقذني الشعر مرات

ضمد الشعر جراحي

بدل ابتساماتي الشاحبات ببضعة نجمات

كان رفيقا جيدا لا يمل الاستماع

وحينما عدت من بلدات الحلم

عائدةً خاوية بلا غيمات بلا أسرار

الكلام الذي لم أبح به لم يزيف 

بقي بنفسجيًا

في نصوص تشبه حزنًا ناعمًا.

رغم بقاء الليل رغم ضياع منازلنا

يعلمني الشعر الغفران لمن يصرون على البقاء في الموت.

يحتضن خيباتي ويمد الأشجار،

ثمة حقيقة أعرفها كما أعرف الحلم،

الضوءُ يترسب،

ولا مفردات هنا.

سما خفاجي

زر الذهاب إلى الأعلى