لي أبٌ يكره الشعر ثم يَحبسُني في الدواوين
يخلق غجراً من أصلابِي
ثم يعيّرني بشفاههم النحاسيةُ
وقلوبهم الرثة الملأى بالألاعيب.
يَسرّحُ شعري بالمريمية والزيت
بينما يجعل من رؤوس أطفالي زهورًا حجريةً
على شرفات القصور.
ثم أبي يَسألُني.. منْ أينَ لي غلظةُ السياحِ وَالنسيانِ؟
نحنُ جارحُونَ لأنَّنا بكَ مصقولونَ
نحن نسَّاؤون لأنَّكَ أتقنْتَ الصمتَ
وَالآباءُ أنتَ خلقْتُهمْ جارحِينَ.
نحن يا أبي خبز صعب
لأن الخباز كان غاضبا وهو يقلبنا بين يديه
فظللنا نرتكب الكثير من الحماقات
ونتفاجأ كل مرة بقدوم الصيف
بالأمس قتلتُ طيراً
ثم ما استطعتُ أن أخيط فاه
صارت صرخته نبعاً
ونظرته ياقوتة
في ثوب طفلة عمياء.
وظللتُ أحلمُ كلَّ ليلةٍ كلَّ الأحلام التي كتبها الرب على الناس. كلُّ الأموات فـي مِقبرة البلدية اشتاقوا لـي فـي لحظةٍ واحدة، تعطروا جميعاً فـي لـيـلـةٍ واحـدةٍ كـي أتـذكـرهـم، وأزورهـم. وكانت غُرفتـي فـي الصباح تختنق بالعطور وأشـواق موتى الرياض.
هذا يحدث لأنَّ أبي يُصمّم كلَّ شيءٍ.
وقسوة قلبي ليست من عملٍ سواه.
هذا يحدث لأنَّه كان يُطعمني رؤوس العصافير
وقلبي صار مكبَّاً للأغنيات.
هذا يحدث لأنَّني أنامُ منذ سنين في غرفةٍ عاريةٍ
شباكها غير محميّ من الصباحات
ولستُ الآن قادراً على أن أكون مهذبًا وأنا، منذُ عقود، أول من يركله الصَّباح.
لستُ أخا لأحدٍ
ولن أعرف أحداً
وأنا بلا ستارةٍ يا الله.
*نص: عبدالله حمدان الناصر
*من ديوان: اللحاق بالرمل