عينٌ ثالثة تحدّق من الداخل – آيسون

أشخاص:
بلدان:

أعيش كما لو أن على كتفيّ كاميرا خفيّة، ليس لأنني أرغب بالظهور بل لأنني أعرف أن كل شيء يُسجّل ضدي

حتى محاولاتي في أن أبدو طبيعيةً؛ محسوبة.

ابتساماتي، عدد مرات استدارتي المفاجئة، عدد المرات التي يدخل عليَّ أحدهم بشكل طبيعي وأرتدُّ كما لو أنني كائن لم يُهيأ لحضور إنسانٍ آخر في حياته. في تلك اللحظة، لا يخيفني الدخول بل يخيفني أنني لا أزال أنتفض

وأنني رغم كل ما تعلّمته ما زلت أبكي عليّ في داخلي؛ كمن يرى طفلًا جفل من صوت النافذة، ويعرف أنه هو ذاك الطفل لكنه لا يستطيع ضمّه.

وجعي لا يأتي من الخوف، بل من أنني ما زلت قابلة للارتعاش.

ما زلت لا أحتملُ العالم إذا دخل عليّ دون موعد، ما زلتُ أعيشُ على الهامشِ بين الاستعدادِ والانهيار.

القلق ليس حالةً أقاومُها، بل هو الكائنُ الذي يسكن معي، ليس في رأسي فقط بل في ترتيب أثاث غرفتي، في اختياري لأي طريق أسلك.

كنت أظن لوهلة أن الانشغال يطفئه وكدّست يومي عن قصد عمل، مهام، علاقات سطحية،رسائل مؤجلة، مكالمات، خطط متقاطعة

كلها كانت أكياس رمل ضد طوفانٍ لا أراه لكنّي أعرف أنه قادم حتى لحظة النوم، ظننتُ أنها ستكون مكافأتي، لكنَّ الذعر كعادته لا ينسى موعده.

كلُّ شيء ساكن. الغرفةُ مظلمة بالحدّ الذي يشبه رحمًا ناعمًا، والهواء باردٌ كفاية لتهدئة صدري.

نمتُ كأنني أنتمي أخيرًا إلى شيء ثم فُتح الباب صوت بسيط غير مهم صوت تمدّد خشب أو باب جار لكن في رأسي ذلك الصوت كان إعلانًا عن انقراض شيء ما أستيقظت على نفسي لكنها لم تكن أنا كنت جسدًا يحاول أن يتذكّر اسمه أن يقنع قلبه أن كل هذا مجرد حلم لكن لا شيء كان حُلمًا كل شيء كان حقيقيًا بما يكفي ليرتجف اليد ليست يدي والهواء ليس هواء،العالم أنكمش إلى فتحة باب والصوت العاديّ تحوّل إلى حيوانٍ ما قبل التاريخ يتشمم رعبك خلف الستائر

القلق شبحًا لا ينام وأنا أصبحت لا أثق بالأمان الذي يُمنح بعد تعب لأن جسدي تعلّم أن اللحظات التي أسترخي فيها هي ذاتها اللحظات التي ينقضّ فيها الذي لا اسم له

الحياة تحت وطأة القلق لا تُعرَف من الخارج تُرى منظمة، مرتبة، غالبًا مبتسِمة

لكنها في الحقيقة، تشبه شخصًا يربط حذاءه بعناية لأنه يظن أنه قد يُطلب منه الركض في أي لحظة للهروب.

أحضّر لكل لقاء حوارًا، لكل إجابة بدائل، ولكل وداع سيناريوهات هروب.

القلق بالنسبة لي ليس موجةً عابرة؛ هو الماء الذي وُلِدتُ فيه ولم أعرف اليابسة بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى