هكذا نختزن حكمة البحر في سواعدنا –  عادل خزام

كانت الملحمة العظيمة في الإمارات هي بناء الإنسان

أشخاص:
بلدان:

شجرة الاتحاد تكبر وارفة وتنشر نورها بسخاء على أرضنا الطيبة. كبرنا معها، ورأينا الأحلام والمستحيلات تصبح حقيقةً، وظل البيتُ متوحداً على الدوام حيث القلوب تعانق القلوب، والسواعد تعاضد بعضها في ملحمة البناء والتطور والارتقاء الجميل بين الأمم. وكانت الثقافة هي المعراج الذي ارتقى بإنسان الإمارات ليصبح اليوم نموذجاً للنجاح والتميز والتطلّع للمستقبل بثقة واقتدار.

ومن ثقافة البداوة إلى رحابة البحر حيث تدرّب أجدادنا وآباؤنا على مواجهة التحدي وصد الغزاة والانفتاح على أفكار الرحيل والتعارف بين الشعوب.

ملاحم كثيرة سجّلتها الإمارات في بناء ثقافتها واقتصادها وتطلعاتها، لكن الملحمة العظيمة حقاً كانت في بناء الإنسان الذي تشرّب هذه الثقافة وهو متمسك بجذوره وأصالته وهويته الوطنية. هذه الهوية التي تروي شجرة الاتحاد بالعمل الدؤوب وبالحب والخير والقيم السامية.

***

لا يكبرُ الأمل أو تنمو أشجاره، إلا حين يتوفر له الأمنُ أولاً. ولا تتحققُ الأحلام إلا حين نزرعها في تربةٍ تتسمُ بالتسامح وتُروى بالحب.

نقف على قمةٍ عالية، لكننا نراها مجرد بداية للصعود نحو مجد بلاحدود. ذلك لأن هذه الأرض المسكونة بالمحبة والصداقة والعطاء، ستظل تروي المبادئ الراسخة لمعنى أن يكون الإنسانُ إنساناً، من غير تمييز بين هذا أو ذاك.

***

السفينة في رمزية الإمارات لا تعني الإبحار والسفر فقط، بل هي بيت الربان الذي تتكاتف القلوب والسواعد معه ليقودها إلى بر الأمان. ها هي التقلبات حولنا من كل صوب، لكن السفينة تمضي وتشق طريقها. ها هي الأمواج تعلو وتهبط في خضم الصراعات، وسفينتنا بحكمة ربانها تجد المرسى تلو المرسى. لقد أدركنا منذ البداية أن استمرار الرحلة أهم من التعجّل في الوصول. هكذا نختزن حكمة البحر في سواعدنا، ونظل نرفع الأشرعة مهما راوغتنا عواصف التيه.

***

هؤلاء الذين خرجوا بسرعة البرق ركضاً من جحور العتمة إلى النور، مزّق الضوء عيونهم وصاروا عمياناً. أن تخرج للشمس لا يعني أن تحدّق فيها متحدّياً، بل عليك أولاً أن تغمض على، وأن تغضّ عن، وأن تعرف متى تحيد ببصرك عندما تتكشّف لك المظاهر كلها فجأة في خدعة النهار.

خذ الحياة مثالاً وابدأ معي في الذهاب. وسوف ترى أن التمسك بالأمل هو الذي يقودك من مجهولٍ إلى مجهول. كلما أغلقت دائرة، يفتح لك الزمن أخرى، كأننا نسير في ممراتٍ تتشعّب إلى ما لا نهاية. وحين تسألني: هل وصلنا؟ سأشير إلى باب جديد.

***

ما الهوية؟ هذا السؤال الفلسفي الغائر في روح الكائن المتعدّد الأوجه والأماني والصفات. إنها اختصاراً، الشجرة التي تنمو في اتجاهاتٍ متباينة، تغوصُ جذورها عميقاً في الأرض ولكن فروعها تمتدّ في ألف صوب. الهوية ليست قالباً جاهزاً نرتديه عند الولادة، بل رحلة معقدة من الاكتشاف والتفاعل مع النفس ومع المحيط. الفرد في رحلته صعوداً على سلالم الأقدار، لا يبقى كياناً واحداً بسيطاً كما بدأ، بل يتحول إلى مزيج من هويات لا تُحصى.

الهوية هي السؤال الوجودي الأول. إنها طريقٌ طويلٌ يمشي فيه الإنسان وحيداً أحياناً، ولكن محاطاً بالأصوات التي سكنت روحه منذ اللحظة الأولى التي أبصر فيها النور. وكما تذرو الرياح التراب ثم تجمعه من جديد، تتشكل هوية الإنسان مع كل خطوة يخطوها في هذه الحياة، حتى تصل إلى نقطة تتوحد فيها كل تلك الهويات المتفرقة لتشكل «الأنا» الجديدة.

***

بناء المستقبل، هو فعلٌ مستمرٌ نمارسه اليوم، وهو أيضاً الدخول في سباق بلا نهاية، وما يميّز الإمارات أنها خلقت روح التحدي في فكر أبنائها ودفعتهم إلى اقتحام مجالات التنافسية العالمية لتحقيق المراكز الأولى في كل المجالات، وعلى هذا المنهج سوف يتواصل السعي خلال الخمسين عاماً المقبلة لتصبح الإمارات الأولى عالمياً كوطن للجميع، ينعمُ فيها الناس بحب الجمال والتعايش والأمان الروحي والفكري.

شكراً لكل يدٍ زرعت وبذرت الخير في هذه الأرض الخيّرة.. شكراً للأمل الذي سقى قلوب أبناء هذا الوطن وسرى في وجدانهم مثل نبضِ أغنية سامية.

***

تكبرُ روحُ الفخر في سماء الإمارات عاماً بعد عام. ويأتي الثاني من ديسمبر ليهلّ قمراً على أرواحنا، وشمساً تفرش لنا طريق الضوء الذي حفره الآباء المؤسسون بعرق الصبر، وعزيمة قهر التحدي والمستحيل.

تعال اقترب أيها الحب. احفر في تربة أجدادنا ولن ترى سوى بذرة الخير تلمع مطلع كل شمس. هي زادنا في الذهاب إلى المستقبل وقد اتخذناهُ حاضراً، وجمّلنا قُدومه بورود الأمل مزروعةً بيد العمل. هكذا تدربنا على التعامل مع الزمن باعتباره الغد الذي نُشيّد صرحهُ بنشيد ماضينا. والطفلُ الذي يولدُ من صُلب هذا الوطن، تُرضعه الأرضُ حليب شموخها ليكبر سداً ضد كل الجهل. وتكون يده ممدودة دائماً للمصافحة والعناق، ويكون قلبه رحباً ويفيض بعشق الحياة معمراً قفارها، وساقياً براعمها وأشجار أمانيها.

تعال اقترب أيها الحب، تجد في وطني نسل امتدادك. هنا على هذه الأرض التي بنى فجرها زايد، تتحدُ أغصان البشر وتتفاهم ألسنتهم. وفي كل صبحٍ، يفيضُ نبعٌ من نور ويضيء أغنية الوجود. وفي كل ليلٍ، تصدحُ النجومُ وترقصُ في زهوٍ، وتهبط من علوٍ لتنهل من عذوبة لحننا.

ــــــــــــــــ

مزج من مقالات الشاعر والإعلامي الإماراتي عادل خزام عن الوطن: الإمارات، مقتبسة عن جريدة الاتحاد.

 

زر الذهاب إلى الأعلى