الفخ – نيكانور بارا

كنت في ذلك الوقت قد نأيت بنفسي بعيدًا عن الأمور التي يكتنفها الغموض الشديد

مثلما يتجنب أصحاب المعدة المعتلّة الوجبات الدسمة

فضلت البقاء في المنزل والتدبر في قضايا بعينها

موليًا اهتمامي الأكبر لأمر انتشار العناكب

وتحقيقًا لتلك الغاية كنت ألزم الحديقة يومًا بطوله

ولا أظهر في الأماكن العامة إلا في وقت متأخر من الليل.

أو، أحيانًا، كنت بتحدٍ،

أرمق القمر بنظرة غاضبة،

محاولًا الانعتاق من تلك الاختيارات المُرّة التي تتعلق كزوائد جلدية

بأرواح البشر.

حين كنت وحيدًا، كنت أفعل ما يحلو لي، أتحرك ذهابًا وإيابًا وأنا واع تمامًا بفعلي،

أتمدد على خشب القبو،

أحلم، أفكر في الأسباب والسبل، أحل المشكلات البسيطة الطارئة.

كان هذا أيضًا الوقت الذي اختبرت فيه منهجي الحصيف في تفسير الأحلام،

القائم على ممارسة العنف بحق الذات ثم تخيل حالتنا بعدها،

مع استحضار الخبرات السابقة، والاستعانة بقوى من عوالم أخرى.

بهذه الطريقة تمكنت من الحصول على معلومات لا تقدر بثمن

فيما يخص المخاوف المتعلقة بوجودنا:

الهجرة، الرغبات الجنسية، المعتقدات الدينية.

لكن، جميع الاحتياطات لم تكن كافية،

ولأسباب يصعب تحديدها،

انزلقت من أعلى جرف حاد.

وكبالون مثقوب، عجزت روحي عن التحليق،

توقفت غريزة حفظ الذات عن العمل،

حُرمت من انحيازي الأهم،

سقطت، بلا حول أو قوة، في فخ الهاتف

الذي يمتص كل ما حوله، مثل ثقب أسود.

بيدين مرتجفتين طلبت الرقم الملعون

الذي أردده الآن –تلقائيًا- أثناء نومي.

الحماقة والطيش احتلا الثواني التالية،

بينما أنا، مثل هيكل عظمي يقف أمام منضدة من الجحيم

مغطاة بقماش أصفر سميك،

منتظرًا الاستجابة من على الجانب الآخر للعالم،

النصف الآخر لوجودي، سجين مسار كهربي.

ضوضاء الهاتف المتقطعة

تحفر داخلي كمثقاب طبيب الأسنان،

تنغرز في روحي كإبر تصوبها السماء.

حتى، عندما حانت اللحظة،

أخذت في التعرق والارتجاف،

انعقد لساني ووقف حائلًا بيني وبين المنتظرة

على الطرف الآخر،

مثل ستائر سوداء تفصل بيننا وبين الموتى.

لم أرغب أبدًا في إجراء تلك المحادثات الحميمية

بالطريقة ذاتها، التي تستفزني أنا شخصيًا،

تضخم صوتي بفعل الإثارة والرغبة،

مناداتي باسمي الأول بتلك النبرة الآسرة،

أصابتني بانزعاج غامض،

الاضطراب الذي تعمدت إخفاءه ومتابعة الحديث،

أسلوبها السريع في السؤال والجواب الذي كان مجرد

محاولة لكظم رغبتها المتأججة،

هذا كله تسبب في شعوري بقدر من العبث..

ثم أجبرت نفسي على الضحك.. وهكذا فقدت السيطرة على عقلي.

تلك المحادثة السخيفة التافهة دامت لساعات،

حتى ظهرت مديرة الفندق من خلف الحاجز الزجاجي

لتنهي بفظاظة ملحمتنا الغبية.

لكن تلك الكارثة لم تنته بأن

أغلقت الهاتف،

لأننا –كالعادة في مثل تلك الظروف- كنا قد اتفقنا

على اللقاء في الغد في إحدى الحانات،

أو على باب الكنيسة أتمنى لو نسيت اسمها.

.

– ترجمة: ضي رحمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى