يكتبُ نصًا
ولا يستطيعُ تجاوزَهُ
إلى نصٍ آخر
يتأمّلُهُ..
كأنّه لم يَكتب من قبل
يتأمّلُهُ..
كأنّهُ النّص الأول
كأنّهُ النّص الأخير
يترددُ عليهِ كثيرًا
ويفكرُ فيهِ كثيرًا
ويصابُ بالوَحْدَةِ
عندما يغَفَلُ عنه أحيانًا
ويصابُ بالقلقِ..
كأمٍ يبتلع طفلها كل ما يلقاهُ أمامَه
فيقول سأكتبُ شِعرًا
لكنّ الشعرَ لا يُكتب
الشعرٌ محفورٌ في الذاكرة
ولا ذاكرة لديه
والشعرُ محفورٌ في العمقِ
وهو على السطحِ يطفو
فيعودُ للنّص
بعدَ أن خانَه الشعرُ والنثر
يعودُ إلى النّصِ
مغتربًا وعاجزًا عن التصور
يعودُ مُرغمًا
لكيلا تموت الكلماتُ وأوجاعَه حيّة
يتأمل النصّ..
يحاول بمضضٍ ابتلاعه
كدواءٍ مرٍّ لكنّهُ يشفيه
يتأمل النصّ..
هادئٌ ومتأنٍّ
كما لو أنّ الوقتَ نسى كيف يمضي
والنص يحاول تذكيره
كم تمنّى لو تحولَ النّصُ
إلى مِعطَف..
ليكون جزءًا من مستلزماتهِ الشخصية
فلم يعد يكفيهِ
أن يرى النص متمدّدًا فوق الورق
ولكي يقول أنا النص والنص أنا
لكن النص
في كل مرةٍ
يتسلل من ثقوبه
ويختبئ بعيدًا
ويترك خلفه بضع كلماتٍ
تدلّ على مكانِه
وسرعان ما يجده
نصٌّ وحيدٌ وبائس
لم يسمع عنه أحد
ولا يجيد أحدٌ قراءته
يتجاهله..
كأنه لم يُكتَبْ
يتجاهله..
لأنّ نصًّا جديدًا يأتي
بعدَ كلِّ نصٍ قديمٍ ومتهالك.