(عند محطة القطار)
*
آه كيف تتابع تلك الأضواء
الكسولة هناك خلف الأشجار
بين الأغصان التي ترشح مطرا
فيتثاءب النور على الطين!
ضعيفة وحادة وبصرير
تصفر مبخرة القطار هناك؟
السماء رصاصية اللون والصباح
خريفي كشبح كبير حولنا.
.
أين وماذا يحرك هذا وما أسرعه
بحمولات داكنة وبأناس متدثرين
وصامتين؟ وأية آلام وعذابات
مجهولة لأمل بعيد؟
أنتِ أيضاً يا ليديا الحالمة احرسي
وسم جرحك الجاف
وامنحي السنوات الحلوة في الزمن اللجوج
واللحظات الفرحة والذكريات.
.
الحراس يذهبون نحو القطار الأسود ويعودون
يغطي رؤوسهم السواد
كالظلال يملكون نديفة فانوس
وباقة من الحديد والصلب.
محاولات فرملة تُصدر رنيناً كئيبا
وطويلاً: من أعماق الروح يرد
صدى ضجر أليم
كم يبدو ذلك معذباً!
والأبواب التي تُضرب عند الإغلاق
تبدو كالشتائم.. كالسخرية
حتى آخر نداء يرن سريعاً:
آخر اختلاس كبير للمطر على الزجاج.
ينفخ الشبح الواعي بروحه المعدنية ويهتز
ويلهث وبعينيه الملتهبتين يحملق
يُرعب في الظلام ويُلقي الصفير
الذي يتحدى الفضاء
يمضي الشبح قاسي القلب يحمل شحنته رهيبة
خافقاً بجناحيه يحمل معه حبي
آه كيف يختفي الوجه الأبيض والوشاح الجميل
عند التحية في غياهب الظلام!
أيها الوجه العذب ذو الصفرة الزهرية
يا عيني السلام المتألقتين.. يا أيها الناصع
بين الأزهار الغنية والمائل
بجبهة صافية وتصرف جميل!
أرجفتَ الحياة ذات الأجواء القلقة
أرجفتَ الصيف عندما ابتسمتُ
وشمس حزيران الفتية
تحب القبل المضيئة.
وبين انعكاسات العُرف الكستنائية
ثمة الخد الطري مثل هالة .
أحلامي أجمل من الشمس
تحيط بالشخص المحبوب.
تحت الأمطار وبين الدخان أعود الآن
وأرغب أن أذوب معها
أن أترنح كالثمل وألمس نفسي
خوفاً من أن أكون أنا أيضاً شبحا.
آه من سقوط تلك الأوراق المتجمدة
التي تستمر صامتة وثقيلة على النفس!
أعتقد أن العالم وحده العالم السرمدي
كله تشرين الثاني.
الأفضل للذي فقد الإحساس بالكون
هذا الظل.. هذا الدخان
أما أنا فأريد أن استلقي
في ضجر لا ينتهي.
*
ترجمة: يحيى عبد القادر الأمير