الحرية
الفراشة التي دخلت من نافذة المطبخ
كانت تحوم لأيام في كل الغرف
ترتطم بالسقف كلما حلمت بالهواء
وتحك ألمها على ضوء خافت للأباجورة الأصلية
الفراشة التي نامت كثيرا
على صوت هسيس الأشجار في التلفزيون
وعلى حواف الأحلام في الأغنيات الشعبية
لم تعد تذكر لون السماء تماما
ولا تفرق بين الجدار والفضاء
لذا تتعرف الصباحات من حنين في القلب
وتروض أمنياتها بالقرب من شجيرات البلاستيك
في ركن الصالون
الفراشة التي انتحرت مؤخرا بسعادة مفرطة
في زجاجة خل التفاح
المفتوحة من زمن
على سطح الثلاجة
التي كتب على إحدى جوانبها
قد تكون المواد المحفوظة قابلة للفساد
إذا ترك الباب مفتوحا
شجرة
الآن فقط صارت شجرة
الآن فقط صار لها بتلات وأوراق
وزيادة في الكلوروفيل
الآن تكوّنَ الجذع واللحاء..
وحطتْ العصافير على الأغصان..
الآن فقط صارَ الهواءُ يحركها
مثل شَعر غجري في رقصة
الآن تثمرُ ويتدربُ على رسمها الهواة
الآن هسيسها الحاني مع جوقة الرياح
يصعد ..يصعد
…
…
الآنَ وأنتِ تمرينَ بالقربْ
صورة البيت القديم
أبحث عن بيتنا القديم عبر قوقل ايرث
صغير ويبدو مثل ندبة في خلية نحل
سيارة مركونة أظنها لأخي
عندما عاد من سفر طويل
ليخبرنا بشيء عن مفهوم الحنين..
بيت جديد ومسجد
في الأرض المسورة التي كانت ملعب كرة قدم..
المزرعة صارت سوبر ماركت كبير
لأن الطيور لم تعد على أشكالها تقع..
الأسطح أكثر وضوحاً
حتى في الأجهزة الذكية..
أستطيع مع كل تحديث جديد
وبحركة توسيع الشاشة بين الإبهام والسبابة
أن أرى بدقة شراعي الملون
لايزال عالقاً في الستالايت
أستطيع أن أطيره مجدداً بإصبعين..
وأركض محدقاً في السماء
آخر صورة لوحيد القرن
الآن صرت وحيداً
وحيداً وطيباً كما كنت
نتذكرك بفخر نحن الذين عاشوا في زمنك
نحكي عنك للأحفاد
وكيف كان يمكن رؤيتك مباشرة
وأنت تجلس بكل تواضع ووقار
في حديقة الحيوان
كيف كنا نتابعك في مسلسل الكرتون
وفي لحظات مطاردتك
في الأدغال والمروج..
الآن صرت وحيداً أكثر من مجرد قرن
أكثر من كناية الاسم
أكثر من تخيل أكفنا على جلدك الذي ظننا أنه من الحديد الخام..
الآن سنتأمل انقراضك جيداً..
نعرف كم تسببنا في ألمك..
كم كان توجسنا خطأً..
وكم كان خوفنا منكَ بلا مبرر..
كم كنت بريئا ومسالماً ووحيدا
الآن سنعرف…
ونحن نحدق في شاشة التلفزيون ذاته
المليئة بالإنسان الوحش!
لقاء
أخيراً كان علينا أن نختصر
كل هذه السنوات في ركنٍ صغير..
كان على الوقت أن يسدد نحوي طلقةَ الحياة..
كان على الدهشةِ أن تكون على الهواء مباشرة
أخيرا عرفنا أن المسافةَ نسبية جداً..
..أن الطاولة التي بيننا قد تعادل أن تكوني في آخر العالم
لكنا هزمنا الحنين وبخدشٍ واضحٍ في الوجه..
عرفتُ سر يديك ودمغتها الفارقة على الأشياء
كيف تلمسُ كالحواة وتخرجُ العبارة الحيّة من العبارة الميّتة..
أخيراً – لو لاحظت-
كانت الحياة تصفقُ لنا بصخب وحماس
حتى أن النادل استدار فجأةً وكان يغبطُ فنجانَ القهوة الذي طالما كان جامداً وحيادياً
أخيرا نجحَ المخرجُ في أن يجمعنا مع القدر في صورة ملونة واحدة
أن يبدأ القصةَ كما يجب
ومن زاوية حانية؛
خصوصاً وأنت تتذكري كيف ابتدأنا كتابة الرسائل من درجة الصفر..
كيف قاتلنا من أجلِ حفنة هواء
لم أكن منتبهاً تماما
كنت أقرصُ المسافات لأتأكد من موتها..
أختزلُ اللحظة وأحاول جمعها في عبارة دارجة بلهجتك المحليَّة…
كنت هناكَ أمامَ هذه التي طالما حَفظتني عن ظهر قلب!
……..…
بكفين متشابكتين
نكالاً بالحياة المهدرة!
محمد خضر – شاعر سعودي