عنّا… وعن بغداد – أجود مجبل

كتبْنا عنِ الغيمِ الذي لمْ يَعُدْ لنا صديقاً

وعشبُ الأبجديّةِ يابسُ

وعن مدُنٍ غنّتْ لمجدِ طغاتِها

وللصيفِ أضغانٌ بها ودسائسُ

عنِ الليلِ يَنسى ساكنيهِ بلا ضحًى

لتغتابَهم تلك النجومُ العوانسُ

وعن قمرٍ جاءَ اللصوصُ لنهبِه

وليس لهُ في آخِرِ الليلِ حارسُ

وعن مَركبٍ نُوتِيُّهُ لمْ يُحبَّهُ

بظلمةِ بحرٍ مَوجُه مُتشارِسُ

كتبْنا طويلاً

عن خيولٍ ستختفي

أحبَّتْ ولمْ يحفظْ لها الحبَّ سائسُ

بها عطشٌ للأفْقِ مُذْ كانَ مَوعداً

وما غَيرَ مَجدِ الريحِ كانت تُمارسُ

تُوَثِّقُ أسرارَ البراري بدقّةٍ

وتَنسى بلاداً فجْرُها مُتقاعسُ

كتبْنا عنِ الأشجارِ ترحلُ فَجأةً

وتُغلَقُ فيها للطيورِ مَدارسُ

عنِ الزمنِ المكسورِ تحتَ جُلودِنا

ومأتمِ نهرٍ فيه تبكي النوارسُ

عن السيِّدِ الأمسِ المُقيمِ بقُرْبِنا

ووحْلِ تواريخٍ به الأفْقُ غاطسُ

وعن لَيلِ بغدادَ الذي لمْ نجِدْ له شبيهاً

ولمْ يَحدِسْ هداياهُ حادسُ

وبغدادُ مِلءَ الحُلْمِ أجملُ طفلةٍ

تَزيدُ جمالاً فيهِ حِينَ تُشاكسُ

كُشوفاتُ صُوفيٍّ وخمرُ قصائدٍ

وفرحةُ حَصّادينَ والقمحُ مائسُ

مَشينا إليها واثقينَ بأكؤسٍ

يطاردُنا عُمْرٌ مِن الفقْدِ دامسُ

كُرومٌ لنا تحتً الفؤوسِ شهيدةٌ

لَهُنَّ قبورٌ مُهمَلاتٌ دَوارِسُ

وبغدادُ طقْسُ الضالعينَ بوقتِهم

كَمِ ابتسموا يا ليلُ والغدُ عابسُ

( ودارُ نَدامى ) أومأَتْ لابنِ هانئٍ

فسارَ لها والماءُ للخمرِ هامسُ

( لِيحبِسَ ) فيها صَحْبَه في قصيدةٍ

إلى الآنَ في أسرارِها هوَ جالسُ

وصُبْحُ مُروجٍ تَستفيقُ بفرحةٍ

على فَرَسٍ يشكو لها العشقَ فارسُ

فَكَمْ علَّمتْنا الحبَّ بغدادُ واحتفتْ

وقالت لنا : إنَّ النخيلَ عَرائسُ

لَهُنَّ على أبوابِكم سَعَفٌ غَفا

وفيهنَّ مِن عُنْفِ الرصاصِ هواجسُ

على كَتِفِ الماءِ اغرِسوهُنَّ خُشَّعاً

فَلَمْ يبْقَ للنخلِ السَّواديِّ غارسُ

وقالتْ لنا بغدادُ وهي نَبِيَّةٌ

مساجدُ صَلَّتْ خلْفَها وكنائسُ

: لكُمْ وطنٌ لمْ تحفظوا أغنياتِه

فضاعَ، كما ضاعتْ قديماً نفائسُ

فقلْنا لها : لكنَّهُ لمْ يكُنْ لنا

وكيف سنحميهِ ونحنُ فرائسُ ؟

*********

أجود مجبل/شباط/2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى