يعد عبد الله بشيو، على نطاق واسع، واحداً من أهم الشعراء الكرد المعاصرين وربما يكون أشهر الشعراء الأحياء وأكثرهم حضوراً وانتشاراً إذ تتميز جلسات قراءاته الشعرية بحضور كبير يتجاوز الآلاف ولا تبقى كتبه المطبوعة طويلاً في الأسواق إذ سرعان ما تتلقفها أيدي القراء (وهو ما يشكل ظاهرة نادرة في كردستان وفي الشرق الأوسط عموماً)
ولد عام 1946 في قرية صغيرة قريبة من مدينة أربيل. نشر أولى قصائده عام 1963 وأصدر عام 1967 ديوانه الأول “جرح ودموع”. وفي عام 1968 دخل معهد إعداد المعلمين وأصدر مجموعته الشعرية الثانية “الصنم المحطم” التي وجد فيها النقاد تأثرا رومانسيا وسيكولوجيا.
مع بداية السبعينات شرع عبد الله به شيو يطور عدته الشعرية ويعبر عن نفسه بمزيد من النضج الفني فلفت انتباه الأوساط النقدية كشاعر مبدع، وأثار ضجة لجرأته وشقه لنفسه طريقا مميزة عن الآخرين. واحتوى ديوانه الثالث “يوميات شاعر ظامئ” الصادر عام 1973 قصائد جميلة ومعبرة عن ما كان يعتمل في صدور الناس في تلك المرحلة مما ساعده على كسب المزيد من القراء والمستمعين في الأمسيات الشعرية.
في عام 1973 غادر إلى موسكو للدراسة والتحق بمعهد موريس توريس للترجمة فدرس اللغتين الإنكليزية والروسية، ونال شهادة الماجستير في التربية ثم الدكتوراه في فقه اللغة وكانت أطروحته عن الأدب الكردي تناول فيها “بيره ميرد” الشاعر الاصلاحي من القرن التاسع عشر. في عام 1985 سافر الى ليبيا لتدريس الأدب العربي المعاصر في جامعة الفاتح بطرابلس الغرب، ثم عاد في عام 1991 إلى موسكو من جديد، ليهاجر بعدها إلى فنلندا حيث يعيش الى الآن. نشر حتى الآن ثمان مجموعات شعرية كان آخرها أشعاره المجموعة في جزأين (صوب الغسق) و(حصاني الغيوم، ركابي الجبال). وعبد الله بشيو، علاوة على كونه شاعراً، مترجم بارع قدم للمكتبة الكردية ترجمات لأعمال والت ويتمان وألكسندر بوشكين.
(1)
خيال
في خيالي هويت عالماً
تعيش فيه الأسماك
دون ماء
دون هواء
بل بالأمل.. بالأمل فحسب !
(2)
أطفال
يا جياع الزمن المر
غداً إذا كبرتم
وسمعتم في الأغاني
في الجوامع
في المضائف
في الحكايات
في القصائد
شاعراً رعديداً
يملأ أسماعكم بأحاديثَ
عنا وعن شجاعتنا
عنا وكورديتنا
فلا تصدّقوه
كلها أكاذيب.. كلها محض أكاذيب !
(3)
المؤخرات والكراسي
حين أضجرُ من البيت
أبدّل الأثاثَ والديكور
من الخزانة الى الدولاب
الى ممسحة الأقدام.
حينَ أسأمُ من نفسي
أبدلُ بعض الأشياء:
قلماً، أزراراً، ثوباً، لباساً داخلياً.
لكنني لا أعرف ماذا أفعل بشاشة التلفاز؛
عشرات السنين وأنا أرى
نفس المؤخرات والكراسي
نفس الأصوات والمعازف والوجوه
نفس الثرثرة والشراهة.
محكوم أنا
أن أرى الشاشة نفسها
لآخر يوم في العمر
حائرٌ أنا
كيف أبدل المؤخرات
والكراسي التي تحتلها !؟
(4) الجنديُّ المجهول
حينَ تزورُ الوفود بلاداً أجنبية
تحطُّ أكاليلَ وردٍ
على قبورِ جنودها
جنودها المجهولين.
غداً إن زارَ وفدٌ بلادي
وسألني أين قبر جنديّكم المجهول
سأجيبهُ: يا سيدي
في حوافِ كلِّ ساقيةٍ
على دكّة كل مسجد
على عتبة كل بيت
على باب كل كنيسةٍ
ومدخل كل كهفٍ.
على جنادل كل جبلٍ
على أشجارِ كلِّ غابٍ في هذهِ البلاد،
على كلِّ شبرٍ من أرضها
تحتَ كل ذراعٍ من سمائها
إحنِ رأسك قليلاً
وضع إكليلَ وردك!