حدث ما حدث ، كذا قتلى ، كذا جرحى ، أغلقت الفيس بوك ، اطفأتُ الضوء ، وقررت النوم .
دق المنبّه دقاته مع النبض مع تدفق الدم من القلب وعبر الشرايين ، بشكل مرعب وغير مسبوق ، فتحت عينيّ بسبب ذلك ، وقد ظننت انه وقت الاستيقاظ والذهاب الى العمل .إلا اني صدمت بكوني تحولتُ الى ديك ..
لن اطيل الشرح والتفصيل هنا ، كافكا اخبرنا الكثير عن ذلك التحول في روايته ” المسخ ” لكن قصتي مع الديك مختلفة .
شاهدتُ الناس تروح وتجيء ، صوت قارئ القرآن يتسرب عبر مكبرات الصوت بكل الانحاء ، مخترقا شقوق الجدران المتعبة ، وصولا الى أعمق الأشياء وأبغضها داخل المنازل .
النساء يصلن الى باب البيت حيث العزاء ، ويصرخن ” يبووي ” ، فاصل ثم ” يبوووي ” فاصل .. وهكذا .
كنت أشعر بالفضول ، لكن غرائز الديك تثنيني عن الشعور بالطريقة المنطقية المعتادة لبشري ، وعلى الرغم من أنني ما زلت غير مستعد و غير معتاد على هذا التحول ، إلا أنني توزعت بشكل غريب بين ذاكرتي ، وبين ذاكرة الديك .
هناك تنافسٌ صغيرٌ حدث في الحلبة الواقعة في رأس الديك ، بين وعيي ووعيه ، بين غرائزه القوية المستيقظة في الجسد ، وغرائزي الخفيفة ، وعلى الأكثر فإن الديك ينتصر .
هو ما جعلني في الليلة الماضية استجيب لغريزتي الحيوانية كديك يحتاج الى أن يقضي الليل برفقة الدفئ ، كان صوتُ دجاجة الجيران يدعوني وهي تنقر الحائط ، وهو صوت تنظيفها لذلك المنقار على الجدار .
طرتُ عبر الجدار الفاصل بين البيت الذي أسكن في حديقته ، وبين البيت المجاور ، جناحٌ يحلق ، قدمٌ على أحد البراميل ، قفزة اخرى ، يحلق الجناح مرة اخرى ، استطيع القول انني طرتُ في تلك اللحظة ، وهو قول يخصنا نحن الديكة ، على الرغم من اننا لا نطير ، لكننا ذوو كبرياء . ونرفض أن يقال لنا ، طيور معاقة مثلا.
اكتشف صاحب الدار في تلك الساعة من الليل خلال الضجيج الذي أحدثته غرائزي ، أنني الديك الشقي وقد مارست مع دجاجتهم المصونة ، الجنس . نحن لا نسميه الجنس ، نسميه الغريزة فقط ، فليس لدينا علم اجتماع او فلسفة ، ولا نفكر كثيرًا بما سيحصل وكيف ستعيش الفراخ ومن يصرف عليها ، ويرعى مسؤوليات الأم وحاجاتها ، ثم مرحلة اختيار الاسم والهوية واجراءات لا تنتهي ، نحن نفعلها ونمضي .
الأصوات تختلط في رأسي الآن ، وتقسمه الى نصفين ، هناك مجموعة من الرجال ، يحملون أعلامًا ويطلقون اهازيج مختلفة ، يرافقها صوت يربك الأرض ، وبين ما أتذكره انا عبر ذاكرة الديك ِ ، أن صاحب المنزل ، كان رجلا شريفًا جدًا ، ولا يمكن له أن يسمح ل ديك الجيران ، أن يعتدي على دجاجته المصونة ، رغم ان الدجاجة كانت سعيدة ولم تقل كلمة .
اخرج صاحب المنزل المجاور ، كل اسلحته الخفيفة والثقيلة ، وتبادل معه صاحبُ المنزل الذي أسكن في حديقته اطلاق النار ، بعدما شعر بالتهديد .
بينما كنت انا والدجاجة في أحد ممرات البيت ، تحيطنا الظلمة من كل جنب ، نمارس الغريزة .
انتهى الامر بأن حدث ماحدث ، كذا قتلى ، كذا جرحى . في ذلك اليوم تحديدًا وبعد انتهاء المعركة ، ودّعت دجاجتي العزيزة ، جناح يحلق ،قدمٌ على احد البراميل ، قفزة أخرى، يحلق الجناح مرة اخرى . عدت الى البيت .
ضوضاء من الأطفال تجتمع في الخارج ، يتضارب فيها الضحك والقلق ، هناك طرقٌ عنيفٌ للباب أيضا ، فتحت عينيّ مرة أخرى ، نهضتُ من فراشي بتثاقل مريع ، كان الجيران يبحثون عن ديكهم ، على مايبدو هناك من رآه يقفز الى باحة منزلنا ، فركتُ عينيَّ بقوة تصاحبها الدهشةُ لسماع ذلك ، الأمر الذي خلع الثقل عني ورفعني درجة من الاستيقاظ والانتباه .
ضحكتُ وحمدتُ الله كثيرًا ، أننا لا نملك دجاجةً في المنزل ، أقصد لا نربي الدجاج ، فكل الدجاج الذي يدخل منزلنا يعيش في الثلاجة فقط .
315 2 دقائق
“نحن لا نسميه الجنس ، نسميه الغريزة فقط ، فليس لدينا علم اجتماع او فلسفة ، ولا نفكر كثيرًا بما سيحصل وكيف ستعيش الفراخ ومن يصرف عليها ، ويرعى مسؤوليات الأم وحاجاتها ، ثم مرحلة اختيار الاسم والهوية واجراءات لا تنتهي ، نحن نفعلها ونمضي .”
فلسفة ديك مثقف:)