قياسُ الهاوية بآلةِ الكلام – محمد الحكيم

أشخاص:
بلدان:

I

القدمُ:

سبعُ خُطواتٍ إلى الوراء،

سبعُ أفكارٍ تسبقُ المعنى،

خُطوتانِ إلى الأمام،

عُمرٌ كاملٌ من الكتابةِ،

للوصول.

باطنُ القدمِ:

تأملُ اللهِ في شرقِ البحيرة، 

المشيُّ على آثارِه باتجاهِ الداخل. 

الغرقُ.

الروحُ:

عُريٌّ لا يَشِفُّ، 

تَعرٍ لا يَفضحُ، 

هُلامٌ للمادةِ، مَادةٌ للهلامِ،

شبقٌ للقاءِ الغريبةِ.

الشَّرودُ.

الجسدُ:

شَهوةٌ للغريبةِ،

السيرُ عارياً نحوَ البعيدةِ،

امتطاءُ الوَحْشَةِ ليلاً.

دَمٌ للعشبِ، 

عُشبٌ ينبتُ في صَدري، 

تتوسَّدُهُ القريبةُ، 

البعيدةُ 

الغريبةُ.

II

وَلَدْتُ نفسي في كهفٍ مُظلمٍ،

فنَمَتْ حَواسِّي في العتمة.

تعلمتُ أن ألمسَ وُجودي،

كي أكونه.

تقتربُ الحقيقةُ مِن دَمي،

في لقاءِ الغابةِ بالليلِ

أسفلَ الشجرةِ كُلَّما 

وُلدَ معنىً جديد.

III

أتعوَّدُ الشعرَ،

تلتقي ضِفَّتانِ في آخرِ الليلِ،

في أوَّلِ الأنثى، في عبورِ القصيدةِ

قَمراً يَنزُّ برغبةٍ فِضيةٍ، أو نَهراً مَوجوعَ

البَللِ، أو نَهداً قُدسيَّ الشَبقِ.

الخيالُ الْمُشعُّ للحِكمَةِ، 

خيالُ الكلمةِ،

نورُ الظَّلمةِ، ودليلُ الْحُلكَة

الباهرة.

IV

مَنذورٌ للريحِ، ولحلمِ النارِ الصاعدة،

مَنذورٌ لهواجسِ الغريبةِ، لِخوفِ العذراءِ،

للعواءِ، ولِحفلاتِ الأنينِ الجماعيةِ

تُنظمها الحياةُ، ويَرعاها الوجود.

مَنذورٌ للهاويةِ.

السقوطُ إلى العدمِ الْمُمِضِّ،

أن يَطأَ الإنسانُ عَدمَه خارجَ

سياقهِ، من أجلِ كينونةٍ أخرى.

V

دُخانٌ يتكوَّرُ على نفسهِ، ويَخلُقني.

يدُ اللهِ تحيطُ بي وأنا على هيئةِ ذَرَّةٍ، وتَخلقني.

قَصيدةٌ نافرةٌ في دَمي، تتشظَّى فيَّ، وتَخْلُقني.

كَونٌ يتمَدَّدُ في ذاكرتي، ويَخلقني.

ذاكرتي مُمتَدَّةٌ مُنذُ خلقتُ، 

ذَاكرتي قُرصٌ ممغنطٌ 

لا تنتهي قدرته على التسجيل.

صَوتيَ مَلعونٌ، 

صَوتيَ أفولُ الليلِ، 

وخَاتمةُ اللحنِ الضائع.

VI

مُصابٌ بلعنةِ التحوُّل. 

قَدري مُخبَّأٌ في وَشمٍ 

على هَيئةِ ثُعبانٍ أسطوري، 

مَرسومٍ فوقَ عانةِ غجريةٍ حسناء.

VII

مَطعونٌ بالمجازِ، 

أواجهُ الاسفلت بقناعٍ

يحجبُ عن الآخرينَ رؤيتي

كاملاً،

فأكونُ النقصَ في نظرتهم،

الضعفَ في توَّهُمهم للقوة،

الانحلالَ في تظاهرةِ الفضيلة،

أكونُ المعنى الزائدَ عن حاجتهم،

لأنني بكلِّ كلماتي، لا يحتاجني

أحدٌ سوايَ.

VIII

مَوتي حياةُ الكلمة،

والكلمةُ دليلي نحوَ الأبد.

أحكي تاريخَ الرعشةِ

طوالَ الوقت. 

لحظاتي قُربانٌ للضجرِ

كي يَدعَني أخوضُ الموتَ

بسعادةٍ بالغة.

أموتُ كلَّ يومٍ، كي

أحيا قليلاً.

تَحضُّري مثاليةٌ تربويةٌ،

ولُغتي أسلوبٌ غيرُ محايد

لتناولِ الحياة.

مَا الحِيادُ؟

أن تظلَّ على قيدِ

لا شئَ. أن تقفَ

على الحافةِ، ولا تسقطُ.

ما الأملُ؟

أكبرُ داعرٍ يُقيمُ فينا،

ونستطيبُ مُقامَهُ.

ما الخداعُ؟

فضيلةُ هذا الزمان.

IX

أغوصُ في عمقِ دوامةٍ رملية.

أجيدُ تقشيرَ البرتقال. 

مُذنبٌ بحالةٍ جيدة.

متوقفٌ عن النبض.

صامتٌ كمقبرة.

مُجرمٌ، بانتظارِ جريمة.

إنسانٌ يحبُّ ظلَّه في الأرض، ويحميه من الشمس.

حارسُ الهاوية              سادنُ الخواء، 

             مَعاً ضدَّ العالم.

ضدَّ الوقُوعِ ضَحَايَا لِمَا هُوَ حَتمِيٌّ.

X

هَاويةٌ تتنفسُ دُونَ عُمقٍ،

لاَ قَرارَ لها.

لا جبالَ تقطعها، 

لا وديانَ تتيه فيها كي تصلَ إليها، 

إنها تصلُ إليك.


*نص: محمد الحكيم

* من ديوان: يحرث الهاوية – 2010

زر الذهاب إلى الأعلى