سافر جدّي ولم يعد.
كان ذلك قبل مولدي بسنوات طويلة
لكني أحفظ الكثير من الحكايات عنه
مثل أنه عَبَرَ البحر عائمًا إلى الضفة الأخرى
أنه ظل هناك وحيدًا على الشاطئ
بعد أن نسي طريق العودة
رواية أخرى تقول إنه
نام في الشوارع
وبالت عليه القطط والكلاب
حتى فقد ذاكرته
حكاية ثالثة تروي أنه تزوج عشر مرات
وأنجب مائة وتسعين ابنًا
وكان يرسل كروت بوستال إلى أمه
لا توجد فيها كلمة
فقط بحر يتمدد أمام الرمال مستغرقًا
في نوم طويل.
عثروا على الكروت بعد وفاتها
ـ ليس مكتوبًا فيها اسمه للأمانة ـ
لكنهم خمنوا أنها منه.
الآن
بما أنني في مدينة بعيدة على البحر
ووحيد
ولا أقدر ـ مثله ـ على العودة
أفكر لو عَبَرْتُ الموج خلفه
ربما أجد أقارب هناك
وربما مدرسة باسم عائلتي
ومقاهٍ
ومصانع
وأناس يستقبلونني باحتفال رسمي
ويسلمون عليّ في الشارع:
ـ كنا ننتظرك.
ـ لماذا تأخرت على الجنازة؟
ثم يصحبونني إلى حجرة الدفن
أرفع التابوت وألقي نظرة
فأرى وجهي.
*نص: محمد أبو زيد
*من ديوان: جحيم