كنتَ طائراً يُرفرف منذ البداية
بجناحين لا تراهما عيوننا التي
ترى كلّ عينٍ، كل ليلٍ
عدا رفّة جناحيكَ.
كنتَ طائراً..
لذلك فاجأتنا بحُبك المبكر للطيور المهاجرة
فاجأتنا ..
وربّيتها في البيت
أبعدتَ عنها المُواء والطنين
أطعمتها الحبوب وسقيتها الماءَ القُراح
كأنما لتقولَ لنا
بفصيح الإشارة:
أنا طائر.
فيما نقولُ عن قناعةٍ:
“تربيةُ الطيور لا تليق بكَ”.
نسينا أنك طائر
واقتدنا ريش قدميك
إلى شمس المدرسة وأشجارها.
نسينا..
ربما لتنسى الطيورَ التي احتمى بها حصانُ دَمِكَ
حتى آخر لحظة، حين أتى يومٌ ليس كالأيام،
يومٌ سمّموكَ فيه بأقراصهم الكيميائية
( الأقراص التي لا بد منها لإنقاذ جناحيك – كما قالوا )
كما يقولون للخارجين من بين أيديهم بالحياة
أو بدونها.
نسينا حُبّكَ للطيور، بعد أن شممنا الفورمالين، ولبسنا
الأقنعة والقفازات وخطوات الممرضات البيضاء..
نسينا، وسمّمناك من جديد بأضلاع
مدرس الرياضيات ومثلثاته المُحكمة
بتزكيةٍ من فيثاغورس
تلك التي لم تكن
(رغم التزكية والحكمة)
سوى أخماس في أسداس الحكمة.
كنتَ طائراً منذ البداية…
وككل الطيور.. داعبتْ خيالكَ الحُرّ
أفكارٌ صغيرةٌ كفراشة حياتكَ.
لم تكن الحكمةُ دليلكَ
ولا القناديلُ مسراكَ.
فاكهةٌ وعربةٌ صغيرة لبيع المرطبات
للفراشات الهاربة من ألوان المدرسة.
لا أكثر ولا أقل من ذلك.
لا الفتاة ولا الأحلام
لا المستقبل الماضي كخنجركَ المُعلَّق
على الحائط في انتظار الأعياد…
ولا عربة الماضي التي خانها الحصان
قبل الوصول.
لا أكثر ولا أقل..
طائراً كنتَ حتى في النهاية
بين بحرين، بين شرق وغرب تنـزفُ
أيامكَ المعدودات كالأيام
لتعود في قارورة جسدكَ
برماد الغابة السوداء..
بالريش حالماً تذروه على صحرائكَ
التي فَـتحتْ بابها لأول مرّةٍ،
وأغلقتْهُ للمرّة الأخيرة
أجنحةُ طيوركَ.
*نص: محمد الحارثي
*من ديوان: لُعبة لا تُمَل