تراتيلٌ لمقبرة الغربة ونصوص أخرى – ريوان ميراني

غرفتي

٭ غرفتي المتخمة بالأحزان

لم تعرف نافذةً مُطلة على العالم

غير ضحكتكِ

٭ في الغرفة قنانٍ فارغة

وركوة ترسبت فيها الذكريات

٭ للغرفة جدرانُ مطليةٌ بلمساتكِ

وشقوقٌ يخرج منها طيفكِ

كلما أقفلتُ الباب

٭ للغرفة وسادةُ مشربةُ بعرقنا .. ودموعنا..

كومة ملابسكِ المنسِّية

وستارةٌ إحدى وجهيها تحرسُنا

والأخرى تعرف كل الشامات

٭ للغُرفة أرضية أيضاً

أرضيةٌ تهوى أن تقبل قدميكِ

تماماً كما طلبت منكِ البقاء

آخر مرة

***

تراتيلٌ لمقبرة الغربة

المَقبرة التي تُشبه المحرقة

تستحيلُ بُستاناً

إذا ما زُرتِها

٭٭٭

روحُكِ وإن كانتْ هائمةً

ربةُ شعرٍ

تَغزِلُ قَصائد النور

بِحروف الحنين والألفة

٭٭٭

لستِ وحيدةً

ولا أنا

فجيوبُنا مُكتظةٌ بالشِّعر

وهذهِ بألف حياة

٭٭٭

لا تَسلُكين للفرح طريقاً

أُخرجي .. فهأنٰذا

أهدم جُدران الخَيبةِ بِمعول الأمل

أحفرُ الأسى بأظافِري عنْ ابتسامتكِ

وأسقي الحدائق في شُرفاتكِ

لابُد من طريقةٍ ما..

سأخترعها..

فهذهِ الروح الجَميلة

لا بُد أن تَخرُج للنور

لا

بُد

أن

تخرُج

للنور

***

إذا ما ذهبنا إلى النهر ثانيةً

منذ آخر لقاء بيننا

ما عدتُ أتذكر النُّور

لم تلتفتي لتقولي وداعاً

ولم تُلوحي ولو بكلمة

لذا حفرتُ قبري في قلبي

ومشيتُ بعصا الأمل

بألف ألف حُفرةٍ للغياب

كل اللواتي عرفتهن

لم ينسوني إياكِ

أعترف..

صنعتُ الحب مكابرةً

مع كل أُنثى

كنت أنتقم من طيفكِ..

ظننتُ أن قلبي سيصيرُ حديداً مع الزمن

ولكن أكلهُ صدئ الرحيل!

كل شيءٍ بات رمادياً..

جف النهر..

والأشجار نثرت أوراقها بخجل..

الأعشاشُ هربت مع الريح

والعصافير توقفت عن إنشادها، وهاجرت بعيداً

أوتارُ الوجود إنقطعت

الليل أهدر نجومه كلها

والسماءُ غادرها الشمس

وأنا..

وأنا..  فقدتكِ للأبد

هل تتذكرين..

ذلك الجدول وخريره،

العشب النديّ وهو يُداعب أقدامنا العارية

يديَّ وخصركِ..

والهواء الذي شاركنا في اِغتيالهِ ذات ليلةٍ

على هامش قريتنا النائمة

ليتني أطعتكِ

وتركتُ الوعل يرعى

في المراعي العذارى كما أشتهيتِ

أتذكر حينها بأنني أحجمت من أجل رصاصتين

كان ذلك أكبر شيء ندمت عليهِ في حياتي

لذا في كل ليلةٍ قبل أن أنام

أقضم أصابع الندم

وأردد بدمعتين للشجن

تعويذتي السحرية:

“أعدكِ،

هذهِ المرة إذا ما ذهبنا إلى النهر

أن نعود ثلاثةً”

***

ثلاثةُ مشاهدٍ تائهة

المشهد الأول

مُتخماً بالغياب

أجلس القرفصاء أمام النهر الشارد

هزيز الريح يُراقص أشجار اللوز إغتصاباً

والشمس تنتحر خلف التلال البعيدة

تبدأ السماء بحشرجتها اليومية

فوق المدينة الصاخبة

تفنى الغيوم في البكاء الزاخر

أعمدة الكهرباء المصلبة

تحمل على أسلاكها

أسراب حمائمٍ بأجنحة متكسرة

معلقة بين لا مكانٍ، وزمنين

ألسنة اللهب تأكل سنابل العمر

والغصة المتعششة في القلب

توقفت عقارب الساعة في معصمي

وأنا أثرتُ الصمت الحكيم

أمام كل شيءٍ يتكلم من وحيي

المشهد الثاني

في كل صباح أمشي إلى الناس

وفي كل مساءٍ أرجع

كل شيء يبقى على حالهِ

ولا أحد يرى القصائد المذبوحة في قلبي

المشهد الثالث

كل يوم أموت

فلا شيء جديد إذاً.

نص: ريوان ميراني

زر الذهاب إلى الأعلى