”قبل أن نصير إنسانًا كنا أحجارًا، جميعنا كنا أحجارًا، أنا وأنتم“ هكذا قال لنا، وقال أنها بشارة، بشارته إلى العالم.
”كل شيء له أصلٌ ما، والحجر هو أصلنا، وهذه الحياة التي نعيش ما هي إلا تحررًا من الأصل ثم الرجوع إليه: هكذا بُشّرت وهكذا أُبشّركم.“
هكذا قال لنا، وأكمل ”الحجر يعجز عن المشي، يعجز عن جميع أنواع المشي، المشي على الحافة، والمشي على خطى معلمٍ ما، والمشي على الجمر، وهكذا كنا نحن، عاجزون عن المشي.
والحجر يعجز أيضًا عن الضحك، جميع أنواع الضحك كان يعجز عنه أصلنا الحجري، الضحك في المتاهة وخارجها، الضحك على نفسه وعلى العالم، الضحك مع من معه وعليهم، وهكذا كنا نحن، عاجزون عن الضحك.
والحجر يعجز عن الحب، جميع المشاعر المتأصلة في الحب يعجز عنها أصلنا الحجري، يعجز عن الحب باتساع، يعجز أيضًا عن الإيمان بما وبمن يحب، يعجز عن الشعور وإظهار الشعور والضياع في ذاك الشعور، وهكذا كنا نحن، عاجزون عن الحب.“
كان مغمضًا عينيه وهو يحادثنا، كأنه يقرأ ما يقول في ظلمة عينيه، ”والحجر أيضًا يعجز عن التفكير، جميع أشكال التفكير كان يعجز عنه أصلنا الحجري، التفكير بموقعه في المكان، تخيّل الأشياء وتفاصيل الأشياء، خلق لغة لتمييز ذاته عن ذات الأشياء، وهكذا كنا نحن، عاجزون عن التفكير.“
أطرق قليلاً، تعابير وجهه اختلفت اختلافًا بسيطًا بالكاد يكون ملحوظًا، لكنني لاحظتها…أو توهمتها، على كلٍ أكمل هو ”كل ما كان قادرًا على فعله أصلنا الحجري هو المقاومة، كانت المقاومة هي كل ما تقوم عليه هويته، وبكاؤه انكسار، والانكسار مقاومة، وحزنه انشقاق، والانشقاق مقاومة، وسقوطه ثورة، والثورة مقاومة، وهكذا نحن، ترهقنا الحياة ونقاوم لأننا جميعنا كنا أحجارًا، أنا وأنتم.
ما أقوله بشارة لأنه أتاني، هناك معرفة تأتي إليك، تتجلى لك بالذات، وهناك معرفة تبحث عنها في زوايا المكان. أتتني هذه المعرفة من حيث تأتي معرفة الهامش، تلك المعرفة التي تنتقيك بدل أن تنتقيها، تخلقك بدل أن تخلقها، وتحتويك بدل أن تحتويها، وطوبى لمن تنتقيهم وتخلقهم وتحتويهم تلك المعرفة، يا أعزائي!
وهذه الحياة، يا أعزائي، ما هي إلا تحرر من الأصل ثم الرجوع إليه“ كرّر مرةً أخرى، لكن بأكثر صرامة، وأكمل ”نتحوّل ونسيل ونتسّع ونصير باستمرار، هكذا نصير أحرارًا، ثم نعود أحجارًا.“
توقف فجأة ونظر إلينا ثم أكمل ”بعضنا ما يزال حجرًا، متعلقًا بأصله كعلقة، يأبى أن يصير شيئًا آخر، يأبى أن يسيل في الرقص ويتسّع في التخيّل ويتحوّل إلى ما ليس هو، فيموت كمن لم يعِش، والعلقة، يا أعزائي، ما هي إلا عبء على الحياة، تشرُّبٌ للشيء واستنزافٍ له بغير منفعة، وهذه الحياة التي نعيش، يا أعزائي، ما هي إلا تحرر من الأصل ثم الرجوع إليه: هكذا بُشّرت وهكذا أُبشّركم.“
*نص: وادي الأزرق