أكره المدنَ
أكره ضجيجَ الجيرانِ وأبناءهم وديكتَهم والمارةَ
أكره المارةَ أسفلَ نافذتي
أكره رائحةَ الطبيخِ في الصباحِ والظهيرةِ
وأستثني الليلَ،
لأنّ كلَّ شيءٍ أكرههُ في النهارِ أعشقهُ في الليلِ
وأقول
الجميعُ يتحدثُ في وقتٍ واحدٍ
الجميعُ يريدُ أن يستمعَ إليه أحدٌ
أن يبكي أحدٌ على كتفهِ
أن يحتضنَهُ ليبكيَ معَه
لم يُبكِني شيءٌ حتى الآن
تحجّرتُ مذ حُرِمتُ النهدَ
مذ طردتُ من سريرِ أمي
مذ أُرسلتُ إلى المدرسةِ
مذ خرجتُ إلى العالم
باعتْني أمي لقذارةِ الحياةِ
تُركتُ على مائدة الوحوش
كل يوم يطردني أحدهم من جنته
أشتهي جحيمَ أمي
أشتهي أن أبكيَ في رحمِها
أشتهي ثديَها وأنا أحتضرُ لأنّني خائفٌ
أشتهي أن آكلَها.
قسوتكِ جوّعتْني أكثرَ من رحمتكِ
جوّعَني بعدُكِ وغموضُكِ
غامضةٌ أنتِ والعالمُ/ غامضةٌ والموتُ والحياةُ
وأقولُ
أحسدُ العميانَ والبدوَ والموتَى والأجنّةَ والكلابَ الضالّةَ
أحسدُ الصمَّ والموتَى سريرياً وأصحابَ الكهفِ وكلبَهم
أحسدُ حيواناتِ البحارِ والصحاري والحصَى
الحصَى بالذات لأنه لغزٌ
أحسدُ قريني في العالمِ الموازي وأشباهي الأربعينَ
وعندما كنتُ حيواناً أو جماداً في الحياةِ السابقةِ أو القادمةِ.
*نص: مهدي محسن