عنكَ أو عن البحر
وكلاكما مُترادفان
تحبُّ البحر
يُشعركَ النهر بالخديعةِ الكامنةِ
أن هذه العذوبة
لها أيضاً إمكانية أن تُغرِقكَ..
وحبي للبحر مُختلفٌ..
أكثرَ تخففاً من التفكير في النقائضِ
لعلها القدرة على التلاعب في حوافِ العالم
وتذويب الحدود
يُشعركَ البحر بأنَّ هناك لا متناهٍ فقط
وهذا هو سرُّ التكوين
جَمَعتنا أنهارٌ كثيرةٌ
وبحرٌ واحد.. تقولُ ساخراً في إشارةٍ للمُدن
التي كنا فيها سوياً مؤخراً..
وأعلم أنه ليس صحيحاً.. لكنني أتركُ لكَ
اعتقاد أن بحرنا هذا هو الوحيد.. هو بحرُ
تكويني وتكوينكَ على أي حال.. وهذا الساحل
لجدي وجدك كان كل شيء.
تجمعُنا أيضاً الملوحة والسُمرة المرتبِكة كطيفٍ مُبهَمٍ
نتبادلُ أحياناً
بشكلٍ عابرٍ ما مرَّره لنا أهلنا عن حكايةِ
الغاصةِ والماء والموت.. لا يكون الأمرُ
قصدياً، لكن هذا ما تحفظه الذاكرة الجمعية
لأهل الساحل.. حتى وإن تبدى لِمَن يُراقب من بعيد
أنها ذاكرة كانت طافيةً لخفتها
فتلاشت.
لا تندهش كثيراً ولا تنفعل كثيراً
ويشعرني ذلك بالصحو..
ويغيب عن ذهني في غالب الوقت
كيف لكَ أن تعصف أيضاً.
حلمي الأول بكَ
كان أمام حطبة التوبة*
حيث كُنتَ تدورُ في تجلٍ.
الخشبةُ التي تُشعِرُني بالهلع
لما تحمله من أطياف مصلوبةٍ
تقول لي أن هذه الخشبة
هي صلاة المدينة اليوم
استغفارها
لتخليها عن الماء
وأسألكَ
هل يُمكن أن تُصلب المدن؟
نجلسُ لنقرأ على البحر أحياناً فأشير لكَ لحزني
من تحول البحر لقطعة إكسسوارٍ في مدننا اليوم
لم يعد السيد، لم يعد القدر الهائل
تبتسم غالباً كما تفعل أمام مبالغاتي
وتشير إلى أنها قصة حب..
يتركُ العاشق لمعشوقه أن يتسامى
يتركه يظن أنه سيد أقداره.. ويحيطه
يترك للآخر أن يظن أنه وحده صانع مصيره
وأن الآخر هو قطعة إكسسوار..
لكنه اختار ذلك.. اختار المحبة.. وترك لها
أن تُصنع بينهما على مهل.
أشير بأن في ذلك شيئاً يشبهنا أنتَ وأنا
صبركَ الرحيم
الباب الذي تتركه موارباً
والنافذة التي تحميني من الاختناق
فتبتسم وتعود لصمتكَ أمام الاتساع
الذي أدركُ في لحظتها كم يشبهكَ.
*حطبة التوبة: جذع شجرة تاريخي يتموضع أمام حصن الشارقة في منطقة الشارقة القديمة، وقد كانت هذه الحطبة هي المكان الذي يربط عليه المتمردون من الغاصة أو أولئك الذين يخفقون في إتمام مهامهم على ظهر السفينة في رحلات الغوص؛ فيجلدون ويُحرمون من الأكل والشرب.