نعرف أنكِ متواريةٌ هناك
خلف ذلك القفص الصدريّ الحارس
تتنفسين برئة الجبل وترقبين، من حجر السّرِّ الغائرِ،
قادمين وذاهبين يغريهم الكلامُ بالوصف
ثم يطبعُ الصمتُ على شفاههم أختامه الليلكية
نعرفُ أين أنتِ بلا بوصلة
نعرفُ طريقكِ الملتوي
كألم في الخاصرة
زرناكِ مراراً
دخلنا الدهليز والكهف
مِلْنَا وانحنينا
سقط علينا ضوءٌ سريعٌ
وتعاقبت عتماتٌ في رفّة الرمش الواحدة
كم مرةً قادتنا الخطوةُ واللهفةُ وجفافُ الحنجرةِ
في حجٍّ يشبه التيه إلى مرابعكِ
وعندما نظن أننا بلغنا أقصاكِ
نجد أنفسنا على أطراف حكايتكِ مرة أخرى
لا أحدَ يشذَُ عن هذه القاعدة عندما يراكِ
فَرْكُ العينين أمام الصباح المتمهل للبدوية الصهباء
سنقرأُ بأكثرَ من لغةٍ
سنصطحب معنا دليلاً متضلعاً بالأوابد،
أو ساحراً مختصاً بفكّ الرصد والطلاسم،
سنستعينُ بالمسابر والأشعة تحت الحمراء والكربون المشع
سننخرطُ في حلقات الحَفْرِ والبلاغة والفضول ونوزّعُ الأدوار
لكننا لن نتقدم كثيراً في الأديم المبرقع لاسمكِ وجسدكِ وحكايتكِ
فليس سهلاً عبورُ الهوّة إلى حيث ولد اسمُكِ، الذي نناديكِ بغيره، كاملاً
ولَمَعَ كاحلُك كتُوَيجِ سوسنةٍ سوداء
المعداتُ المتطورةُ التي نحملها لا تكفي،
ولا الخرائطُ التي نفردُها على الأرض،
الطفولةُ يمكن أن تقدم لنا عوناً
نلصقُ آذاننا على جرَّة أو جدار
رأينا آنيةً خزفيّةً في أيدي المنقِّبين
الزيتُ ينزُّ من اللقية المستعادة من الأنقاض
النبتةُ خضراء
العصفورُ أخضر
والحداءُ الذي لم يعد يُسمعُ في هذه الجهات،
يترددُ خافتاً على جانبي الهجران
الصخرةُ والتعويذةُ يتعانقان على هُدب الهاوية،
لا نعرف أيهما حمى الثاني طوال الوقت
هذا الصمتُ الذي يسودُ بعد عدوى الكلام ليس بلا لسان
الفراغُ المألوفُ لا يعني العدم أو اللاشيء
هناك كائناتٌ تواصلُ حياتها السرية في العزلة
وأصواتٌ لا تلتقطُ ذبذبتَها المسجلاتُ الحساسةُ التي نحملها
لكِ عشاقٌ كثيرون وقلبٌ ينبض من خمس جهات
لم يترك المحبون كلاماً كثيراً
بل جراراً تشققت تحت شمس الجفاف،
كانوا حينها يتكلمون بالناي والإزميل،
ثم إنهم تفرقوا في الأرجاء
نفسّرُ الأمر على النحو التالي:
أنتِ لم تبرحي واديكِ ولم تهجري آلهتكِ،
هم الذين فعلوا بعد أن صار للقافلة والدرهم وكيلُ نعمةٍ آخر
هكذا
عندما يتغيرُ الطريقُ تنزوي اللُّقى التي يَعدُنا بها الطريق
تنحجبُ أو تندثرُ الطريق لم يعد يمرُّ من هنا
تواريتِ وراء الجبال المُسنَّة
انغلقتِ على نفسكِ
ارتدَّتْ وردتُك إلى كأسها
شموسٌ وأقمارٌ وريحٌ تعاقبت بلا انقطاع
على أحجارٍ كانت، ذات يومٍ، آلهةً تُعْبَدُ وغرانيقَ تُرتجى.
*نص: أمجد ناصر