قالت العرب: سقطَ على ضالتهِ، أي عثَر، ووقع عليها. والضّالة يمكن أن تكون النّفس في غيابها، وضياعها، إذ تقع فتضيعُ في الجبّ.
تظن، وقد يتحوّلُ ظنّك لليقينِ إنْ طال أمدُ استمرارية الظنّ؛ إذ أن كل الأشياء قابلة للتحوّل تحت ظروف التمدد، والاستمرارية، تظن أنك لن تنمو مجددا بعد سن الثلاثين، وأنّ الأمرَ الوحيد الذي سيطرأ عليك هو تغيّر لون شعرك إلى اللون الفضيّ، أو كما ستقول الأبيض. هذا التبدّل الذي سيجرّ خلفه الكثير من التقلبات عليك، ولن تكون قادرا على تجاوزها. قد ينجح البعض في تجاوز سن الثلاثين، أو تجاوز أزمة العمر، ولكنك حتما ستقف أمام وجهك الذي تغيّر، وأنت تنظرُ في المرآة كل صباح، متحسساً بأصابعك خطوط وجهك. ترتّبُ شعرك، تفكرُ في إضافة صبغة جديدة عليه؛ كي يكسب لونا جديدا، ولا يظهر اللون الفضيّ، المُقلق، المخيف، المتسبب في تساقط عرق قلقك، وتكوّرك حولك في غرفتك؛ مُفكرا بجدٍّ في/ بالأيام القادمة.
وحيثما أنتَ في غرفتك، في صورة الحلزون، أو سرطان بحرٍ، أو سلحفاة، وتُعجبك صورة الحلزون أكثر؛ ستنتبه_ كمن ينتبهُ لأول مرّة_ لجرحٍ على بشرة وجهك _وفي الحقيقة، هو جرح قديم، لكن نظرتك له، الآن جديدة _ كُنتَ قد أصبت به ذات يوم. تمر تفاصيل ذاك الجرح على عينيك، فتبتسم، إذ تتحسس بنظرك طول الجرح، وشكله، وملمسهُ، ثم يعبس وجهك وقد تبكي؛ إذْ تظن أنه لم يعد بمقدورك أن تحصل على جرحٍ مماثلا لذاك الجرح، وأنت في هذا العمر _ إذْ كنت قد حصلت على جرحك، ندبتك الخاصة، وأنت تلعب الغميضة مع الصغار يوم كنت في العاشرة من عمرك، فتعثرت قدمكَ فوقعت أرضا على البلاط، وانسابت الدماء، وارتفع صياحك_ وأن كل ما ستحصل عليه هي الجراح/ الجروح الجديدة، جروح الكبار المخفيّة دائما. جروحٌ لا تظهرُ بسهولة، لا تشبه جرح وقوعك الأول عن دراجتك الهوائية وأنت تتعلّم قيادتها، أو جرح فضولك حين أدخلتَ إصبعكَ في المروحة الهوائية الأرضيّة، مُتحسسا حركة الهواء فيها، أو الجرح الذي نلتهُ بعد شجارك مع ابن الجيران الذي يكبرك بعامٍ، على كرة قدم، وإذ أنت في انحناءك تلتقطُ الكرة، يشجُّ رأسكَ حجرٌ، يفجّر الدماء، فتسقطُ أرضًا، يفوزُ ابن الجيران بالكرة.
وإذْ تظنُ في يومٍ ما، بعد أن تتجاوز أزمة التفكير في العمر، ومع أنك ما زلت في الثلاثينات من عمرك، وأنك ذاهب للشيخوخةِ بجروحٍ لا عدّ لها، مع أنك حتما لم تتجاوز التفكير؛ ولكنك تعمّدت تجاهله، وستفكر في الأمر بقلقٍ وفزع في ليلة باردة، أو ممطرة، أو حتى في نهاية الأسبوع، بعد أن تُنهي عمل أسبوع شاق.
تُحصي عدًّا مجموعك من الجروح، وقد أرخيتَ تصلّبك لغضبك الدائم، وترثي هيئتك البالية، وتجرّ قدمك بتثاقلٍ كل صباحٍ، مكدّسا الجروح، واحدا فوق الآخر، وتشرب كأسك، محملقًا في الفراغ الشاسع المحيط بك، قاذفًا بصقة للمرآة الواقفة بلا حركة، بجانب دولاب ملابسك..
تظن أن وجعك الذي اكتسبتهُ/ حصيلتك/ مِنْ علاقة غراميّة غير تامة في مطلع العشرين من عمرك المتّقد، انتهت بالبكاء، والحزن، ومولدُ كآبةٍ، وخسارات متتالية، وتجميع أفكار في نظرك، على أنها أفكارا ثابتة، لن يطالها التحديث، ما هو إلا وجعٌ مستمر دائم، مُغذّى، وأن أفكارك لن تتغير، وأن الجرح الذي وُشم عليك أثناء خروجك من تلك العلاقة، لن يزول مهما فعلت. فتتصرف وكأنك غير مبالٍ بعلاقاتك الآتية، وتصرفاتك تجاه شخصك المهمل، المكتسب صورة الشّحاذ، البائس، أو قد تُفرط في تكوين علاقات، ظنّا منك أنك تداوي جرحك؛ بينما أنت ترسمُ فوق رسم الوشم، مرارًا وتكرارًا، برأس سكينٍ حادة.
ومع هذا، في يوم مشمسٍ، وأنت تقضم بسكويتة، أو وأنت تشرب كوب قهوتك، أو تضغط على الحروف بقوةٍ في لوحة مفاتيح جهازك المكتبيّ، أو للتو قد افترشت رمل البحر، وأنت تراقب النوارس؛ تنتبه إلى أنك قادرٌ على أن تنمو من جديد، وأن جرحك الكبير، وألمكَ الفذّ، لا أكثر من قصةٍ تُروى، تبدأُ بجرعِ تفلةٍ بصعوبة، وتنتهي بتنهيدة تتبعها ابتسامة، تركتْ لمعة في العين اليسرى.
_إسقاطات:
_ تظهرُ الديدان من الثقب الذي لا تراه في قلبك.
_ لا أحد سيُحبّ الحصاة العالقة في نِعاله.
*عائشة سليمان: كاتبة وشاعرة من عُمان