أسباب الجَرح والتعديل – قاسم حداد

من ملحمة: طرفة بن الوردة

“طرفة بن العبد”

1

سببٌ أن في هجر بيتاً لأخبارها
يتقصاه أو يصطفيه الجنونْ
سببٌ أنني لستُ خصماً ولستُ عدواً
سوى للسماء التي تهبط الآن حتى العيون
سببي جارفٌ كي أرى بيتَ هجر سبيلي إلى الخمر
أسعى وأمحو خطاي وأوقظ في هجر أطفالها كي تكونْ
جرساً ناهراً للسكونْ

2

لستُ في حيرةٍ
أنا جمر النهار والليل
أعرفُ أن الرمادَ خطواتي وفي الكشف ما يَشِعُّ من الغدر أعرفُ كم أموتُ وكم أقتَلُ وكيف تفتك بي خطواتُ الرماد غير أن في الحيرة من الحوانيت ما يمحو عطشَ الروح، ومن الحانات ما يصقل ماء الجسد تهيأت قبل كلماتي
وجدفتُ في حضرة الربّ كي يصغي لبوحي
يصدق صلاتي ويصطفيني صديقاً له
حيرتي أنني لستُ عبداً له
لستُ في حيرةٍ
تحللتُ من حصة الرمل
حقي من الجمر والنارِ في خمرتي

3

فاضَ ظلمٌ عليها
واستخفَّ بها الأقربون
فانتهى زعفرانٌ في المزيج
صمتٌ سيذبحني أنني لم أمتْ عندها
وردةُ البيتِ، والبيتُ في الغدرِ في شهواتِ القتال
فاضَ ظلمٌ على قدحي المُستريب
فغنيّتُ في ليلٍ وردةً
إني أموتُ بعيداً على دمعِها
دمعُها سوفَ ينتابني كلما فاضَ عطرٌ على ضوئها
ما الذي ينبغي أن أفعل الآن عبر الضَّجيج

4

لم أكنْ في مكانٍ
ولا يسعُ الوقتُ وقتي ولم تنتظرني الأغاني
رأيتُ القميصَ المُهلهلَ في العرش
مزّقته بالكلام عن الشمس
والشمعُ في الشمس مثلُ الأماني
لم أكنْ في الفهارسِ أجَّلتُ خولة للعُرسِ
لكنني لم أنمْ كي أهيئَ للحلم أسبابَه
كنتُ في أول الليل يفتحُ لي بابه كي أموتَ بطيئاً
أموتُ وخولة تفقدني في كتاب الأغاني
كتابٌ سينسى دمي في الصباح ويغتالني
لم أكنْ في القليل الأخير من النصّ إلا قليلاً من الصمت
أملكُ أن أستعيدَ الرواية
أحتالُ بالأبجديةِ
بالمستحيل من النار بعد الرؤى الحالكة

5

هو الموتُ
لكنَّني سوف أجتازه في رحيلي
دَمي وردةٌ للخلود
لمجدٍ تؤلفه الكلماتُ
وللعشق جمرٌ يُنوّرُ بعض سبيلي
هو الموت حبي بعيدٌ
وأقرب لي شاهقُ الشعر مما يرون
ويروون لي في الطريق الطويل
أيُّها الموت يا هامةً كالصَّدى
سوف تبقى تئجُّ وتبقى تضجُّ
وأبقى بِحريةِ الحلم والمستحيل

6

تحررتُ من مقتلي في الكتاب وأطلقتُ بابَ السماء
لتخرجَ كل النجوم
تُعيدُ السديمَ وتمزجُ ضوءَ المجراتِ
تمنح أخبارَها للخليقةِ من أوّلٍ
تحررتُ حررتُها من كلام الحَلك
تملكتها في المسافة بين الحقيقة والحلم
ساءلتها قبل أن يستحيلَ الجواب
أيُّها الحزن يا سيد الكون
يا شاهداً عند باب السماء
هل رأيتَ الدماء
حيث سَمَّيتُ لك
خطواتِ الفلكْ

7

أخرجُ من زرقة الجُزر المشتهاة راغباً هارباً للنجاة
ففي كلِّ بيتٍ بنيتُ له نجمة ضللتني
وفي كلِّ سجنٍ رسمتُ به حانةً خانني الندماءُ
انتهيتُ
اشتهيتُ
حدودَ الحياة

8

أصلحتُ كأساً كي أرى بزجاجها طبيعة الوحش في الحيوان، فرأيتُ الشخص في غابةٍ يتشهى بها، يتقمّصها ويَخبُّ بها عابراً سنوات القرون الخمرة ذاتها صقلتْ لي المرآة وشفَّتْ عن بشرٍ يدَّخرُ النواجذ والأشداق ويتناسل ويمتد. وكلَّما انتخبتُ نجمةً في قدح انكشفتِ المخلوقات وفاض الإناء بالدم وسحقني امتحان العدم خمرة في مقام اللغة وتفعل فعلَ النبيّ
تُعيد الخلق وتكشف السرّ
وها أنذا
كلَّما أصلحتُ كأساً جرحتُ الحياةَ وعَدَّلتُها.

*نص: قاسم حداد
*من ديوان: طرفة بن الوردة

زر الذهاب إلى الأعلى