إلى أبي الحبيب..
إلى رأسكَ الذي يتوسَّد الَّلحد منذ سبعة أعوام كلّ القُبَل الحارة..
إلى قلبكَ الطيّب الذي أكله الدود كلّ الحب والاحترام..
لا أجد لك كلماتٍ أرثيكَ بها لعلها تعبّر لكَ عما حدث في حياتنا بعدك، وأصف بها جزءاً من الألم الذي -لو كنت موجوداً- لم يكن.
أشتهي أن أشعر بحرارة يدكَ عندما تمسك بيدي، أشتهي أنا أرى عينيكَ الجميلتين التي الآن لا وجود لها على هذه الأرض. لم يكن دفنُ جسدك عليَّ هيّن، جسدك الطاهر، وجهك الحنون الجميل، لن يمر على قلبي أصعب من هذا. أنت تعلم عندما كنت أُحدثّك في الدقائق الأخيرة قبل أن ترحل أنَّ لا قلب في الدنيا أًحبّك مثلما أحببتُكَ. وأنَّ لا موقف سيمرُّ بي أصعب من أن أراك مودعًا ولا أملك أيَّ نفعٍ لك، كان أمر الله أكبر من الذي فيني، كانت النهاية مهما تخيلتها أصعب من كل شعورٍ، لا أستطيع وصف يوم فقدك ما حييت، وما كتبت، لا تغيب عيناك عن عيني لحظة الوداع لا يغيب هذا المشهد يا أبي.. يا ليتني لم أذهب للصلاة، ليتني بقيتُ واقفةً عندما زُهقت روحك ليتني حضنتها عندما صعدت من جسدكَ الطاهر ليت عُمري توقف عندها ولا أرى ليلة واحدة من دونك.
لم أستطع النوم ثمانٍ وأربعين ساعةً لأن جسدك كان في ثلاجة الموتى، لن أنسى الشعور المؤلم الذي أرّق عيني، أبي العظيم، أبي الحياة، أبي الحبيب في ثلاجة شديدة البرودة، كنتُ أبكي، أود لو أدفّئ جسد أبي الذي كنت أخشى عليه من الماء البارد، من المكيف البارد، ها هو يبات في الثلاجة، لم أهدأ إلى أن أخرجوك منها ورأيتكَ، رأيتُ الحياة مُغسلة مكفنة، البرودة قتلت جسمك. زُرقة لونك ستبقى تذكرني بموتكَ، اللون الأزرق الذي كساك.
سامحني بُتَّ هذه الليلة دون أن أغطيك جيدًا، دون أن أمنع البرودة الشديدة عنكَ، سامحني أبي سامحني.. تعلم كم عدد الأيام التي اشتكيتَ لي من البرودة وضممتكَ إلى صدري كي تهدأ، كي تدفأ، أعلم جيدًا أنكَ كنت تنتظرني كي أخرجك من هذه البرودة القارصة، سامحني لم أخرجكَ منها، اغفر لي تقصيري.
استودعتك الله حينها يا زكي الرائحة، وقلتُ لله أن يجعلك تعلم أن الأمر خارجٌ عن إرادتي، وأنَّك انتقلت من عندي إلى عنده وأنه أرحم بك مني.
*نص: أمواج