قال الملاكُ اتبعني
وكنتُ أخافُ
الموحشَ
والبرّيَّ
أخافُ الطريقَ
زاهدةً بين الحَصَى
والرَّمل والأشواك
قالَ اتبعني
وما أحببتُ شيئاً
إلاّ أماتَني
وأحياني كطيفٍ
ثُمَّ
صارَ غَريبي.
وَضعتُ صُوراً
في الحقيبةِ
وبنفسجَاتٍ وماء
وتبعتُ الطيف إلى
سَرَاب البُيوت
هُناك
أَرهقَني الأزرقُ البعيدُ
والأفق المنهوكُ
بالصَّدى
والأجنحة المُثقلة بأملاحِ
الرَّفيف.
كان المرُّ شرابَ
الشَّجرِ اليابس
والأرومات المُستوحِدَة
كأنَّها الظِّلال
جَمُدَتْ
واستَبدَلتْ رَقراقَها خَشَباً
ورَمَاداً.
قال اتْبَعني
والمَلاكُ غَريبي
وكنتُ غَريبَهُ الذي يَتبَعُ
رفَّةَ الجَناح
وحفيفَ الغُلالةَ التي نُسِجَتْ
من أمْصالِ الضَّوْء
والسُّعال الخَافِت
والنَّزيف
في أروقة الذين يرحلون
تِباعاً.
ورأيتُ البُستانيَّ الذي
أنبَتَ
أربعين عاماً من خوفي
وصيَّرها حطباً،
ورأيتُ البستانيَّ في حُلمي
ورأيتُ قبر أبي قصيّاً في
حُلم البستانيّ،
ورأيتني في حلم أبي
صبيَّاً بعد
ما أماتني الموت
لكنه
أحياني طيفاً
وأحياني ظلاً
يَصحَبُه الملاكُ بعضَ
الطَّريق،
وكنتُ أخاف العَراء
يستنبت أفياءَهُ
شوكاً
وتنهَمِر أصداؤه حصًى
لا يُعَدُّ،
ويُفارِقني الظِّلُّ الذي
نادى عليَّ
وأقامني جسماً من الرَّقراق
الدَّاكن.
فقال الملاكُ اتبعني
وكنتُ أخاف الظَّلام
وكنتُ أخاف السَّماء
شاغرةً
بَعيدةً
والبيوتَ إذ تُعتِمُ نَوافِذُها
أخافُ نَومَ الَّذين أحببتُهم
حين قال الملاكُ
النوم نسيان أعمق
من الموت
والموتُ نسيَان.
وتبعتُ الملحَ الذي نثرتْهُ
يَدَاه.
ودلَّني الملحُ
فرأيتُ ظمأ الينابيع والآبار،
ودلَّني الظمأ
فرأيتُ السراب
وما بدَّدته
وأنفقتُ عاماً تلوَ عام
إذ تَراءى الماءُ مُبطئاً
مُتلعثماً
يَقتفي أثرَ اليَباس
فيبذُلُه اليَباسُ لقَسوة
الشَّوكِ والحجَر.
قال الملاكُ اتبَعني
وتبعتُه
وما دلّني الملاكُ
وما عرفتُ الطريق
بل عرفتُ البعد
لا ينتهي
وتبعتُه
وما وجدتني
إلا غائباً في نومهم
مقيماً في رجائهم
وأماتني الرجاء
وأحياني
وتبعتُه كالطيف
وما دلّني الملاكُ
وما اهتديتُ
كان نومُها صاخباً بالضَّحك
والمسرَّات
كان نوميَ أبيض كالغُلالةِ
وشفّافاً كالمصْلِ
وبارداً كجبينِ المَوتى
قال الملاكُ اتبَعني
ودلَّني
كان السكونُ شَمعياً باهراً
والاضواءُ ملسَاء رَتيبة
كالرُّخام.
أطيافٌ ساكنةٌ عند فُتحة
النَّفق الطَّويل.
وعرفتُني
كنتُ هناك لم أزل
في نوم المَوتى
وما كان المَلاك.
من ديوان: بضعة أشياء (1997).