في السابع عشر من أغسطس، لعام 2017، وفي قلب باريس، رحلت الشاعرة والممثلة والمناضلة السورية فدوى سليمان، بعد صراع طويل مع المرض.
تقول عنها إيتيل عدنان:
نعلمُ إن القدر قاسٍ، ولكنه دوماً أقسى مما ظنناه. تعرّفتُ إلى فدوى مؤخراً، ورأيتُ شدّة التزامها بكلّ ما يؤثّر فيها. أثناء محادثتها، رأيتُ إلى أيّ حدّ لم تكن تحتمل الظلم في هذا العالم. كانت قد كرّستْ نفسها من أجل سورية مفتوحة للجميع، سورية السلام. كانت قد كرّستْ نفسها للشعر أيضاً. لقد فقدنا بوفاتها شاعرة كبيرة وضوءً أمامنا. أرجو منكم قراءة شعرها، بانتباه، والإنصات إلى صوتها عبر كلماتِها وأفكارها، ونشدان العدالة، على منوالها، عبر اللاعنف. أقول لها إننا لن ننساها أبداً.
إيتيل عدنان – شاعرة لبنانية – أمريكية
هذه هي الكلمة التي قدَّم بها الناشر الفرنسي ايمانيول مويزون ديوان فدوى سليمان “كلما بلغ القمر”:
منذ الأزل، وفي كل صراع جديد تخوضه الإنسانية، هناك أكاذيب جديدة تؤدي لحرق الكتب، الكلمات، الجمل، الصور، الأفكار والذاكرة، ولكن القصيدة تنبثق من مكان غير متوقع.
ليس للقصيدة سلاح ولا حدود، ليس لها سوى الصدى، كنبضة قلب، كصوت رعد يملأ المكان، قادم من بعيد في وجه التشظي، تتنفس، تتحدث، عن الألم والعنف والعبث، قصائد “كلما بلغ القمر” تأخذنا إلى أماكن الذاكرة، أغنية، غضب الأرض المجروحة، وغضب المعنى المقتول، وأغنية انتظار، انتظار ملوث بهمجية الإنسان. المنفى ليست كلمة ثابتة في المعنى،.ليست كلمة موضوعة فوق ساحة تاريخنا، المنفى هو حركة حلزونية أبدية، المنفى ألف وجه ووجه، ذكرى وجوه نألفها، ألفُ رائحةٍ ورائحة تأتي من الطفولة، ألفُ تلةٍ وتلة. للمنفى حركةٌ تشبه حركة النهر، وتأتي بصورة الأجداد، عطور الفجر، حرارة الطين. المنفى هو انعكاس لذاكرتنا، لونُ التأرجحِ أمام الهاوية، عبر مزاج الأزمنة القديمة والحاضرة مع الأماكن (باريس، حمص، طرطوس) القصائد تفتخر بنفسها كلما بلغ القمر.
ايمانيول مويزون – ناشر فرنسي
مختارات من ديوان: كلما بلغ القمر
عودة
وسوفَ أعودُ، لا لأعود؛
بل لأنَّه عَوْدٌ
لألقى نهايتي التي شئتُ
الغناء الهادئ
مطرٌ على مطر
وطينٌ فوق طين
***
صورة
لِي قُوَّةُ الفَرَاشَةِ
وَضعْفُ ثَورْ
وَلِي هَشَاشَةُ الجِبَالِ
وَصَلابَةُ خَيْطِ العَنكَبُوت
وَلِي ضَجِيْجُ أَرْجُلِ النَّمْلَة
وَصَمْتُ البَحْر
وَلِي مَوتُ الحَياةِ في الشَّرْنَقَة
وَحَيَاةُ المَوتِ فِي السَّائِرِين
وَخُضْرَةُ أَوْرَاقِ الخَرِيفِ
وَاصْفِرَارُ العُشْبِ فِي آذَارْ
ولِي تَـمُّوزُ
لَنْ يَعُودَ بِتَمُّوزْ
وَلِي مِنَ الأيَّامِ لَحْظَة
حِيْنَ يَأخُذُ القَلْبُ اسْتِرَاحَتَهُ الأبَدِيّة
يَنْتَهِيَ كُلُّ شَيءْ
لِيَكُونَ لِي
مَا لَـمْ يَبْدَأْ بَعْدُ
أَو بَدَأ..
يمكنكم الاستماع لإلقاء مميز لهذه القصيدة في حلقة بودكاست مقصودة، والاشتراك لمتابعة حلقات الإلقاء والنقاش التي تقدمها ببراعة فرح شمَّا وزينة هاشم بيك.
***
في العتمة المبهرة
في العتمةِ المُبهِرة
نشربُ كأسَ زوالِنا
وننتظرُ انقضاضَ يدِكم الكريمة
لترميَ بنا في العدم
في العتمةِ المُبهِرة
تُطمَس أدمغتُنا
وتُمْحى ذاكراتُنا
وتُمْسح آثارُنا عن الوجود
في العتمةِ المُبهِرة
النجومُ لحمُنا ولحمُكم
والقمرُ تلُّ عظامِنا وعظامِكم
ودفُّ العيدِ قرعُ رصاص
رقصةُ موتِنا
وموتِكم
وسكّينُ الحلوى
تقطّعُنا تقطّعكُم
في العتمةِ المُبهِرة
لا بوّابةَ للخروجِ وحدَكُم ممكِنة
في العتمةِ المُبهِرة
علينا أن نعرفَ الفرقَ ما بينَ المرايا والمرايا
كي يلتقي الظِلُّ ظِلَّه
ومَن يقتُلْ مراياهُ ينكسِر
في العتمةِ المُبهِرة
نحنُ أشباحُ مَن كانوا هناك
شلّالَ ضوءٍ يقودُ نحو الشمس
فسلّطنا علينا بوّاباتِ جحيمِكُم وجحيمِنا
في العتمةِ المُبهِرة
عيونُ سوريّا تشقُّ جُنحَ الليل بالنورِ تقول:
أوقفوا هذه المجزرة
***