في هذا الموسم تحديداً
كان أبي يحصدنا
بمنجلهِ الذي ورثهُ من جدي
وكُنَّا نُباع في السوقِ
مُغلَّفين بصراخ الباعة
مُكوَّمين على كراتين فَقْرنا
في صندوق سيارتهِ الخلفيّ
لم يكن أبي ليُخبرنا
ثمن أعمارنا
ولا أي تفاصيل
عمّا كان يجمعهُ
لقاء حرثنا المتواصل.
في هذا الموسم تحديداً
استعجل أبي خنقنا
في بيوت بلاستيكية
ريِّنا بالتقطير
وجلس يُدخن
بانتظار أعمارنا
التي تنمو بشكل حلزوني
حول خيط أبيض مهترىء
وفي هذا الموسم تحديداً
تسلّلنا من غرف خوفنا
ولازلنا حتى اليوم
بخجل نبتة
لا نعرف الطريق إلى الخارج
دون أن نمدّ أيامنا
على خيطٍ أبيضٍ مهترئ
ونتلوّى.
في هذا الموسم تحديداً
كنّا ننمو ببطيء شديد
أكثر مما اعتاد أبي
لذلك كان يرش أعمارنا باليوريا
و يمهّد طريق الجداول أمامنا
بمعولهِ الخشبي
كأشجار حقيقية.
لم نستطع وضع حدٍّ
لتصرّفات أبي
عبثه الدائم بأسوارنا
لم نجرّب من قبل
أن نصطدم بجنرالٍ فلّاح
ونحن أبناء أبي
من لحمه ودمه
جنوده المنكسرين
الذين يفاخر بنا في المسجد
و يشتمنا حين لا يسمعهُ أحد
صرنا نعضّ على أنسابنا
بأسناننا الصغيرة
وأيدينا المرتبكة
نحن الذين كنّا ننصب شراكنا للعصافير
ونلاحقها بامتداد بستاننا الصغير
لم نجد شجرة تظلّلنا
وأبي صار يصطاد أعمارنا
في الزرائب
بيديه الكبيرتيْن.
طوَّح الفقر بأعمارنا
وانتبه أبي متأخراً
لِقلَقِنا الذي نهش الأوراق كلّها
كيف صرنا كباراً
و سيئين
إلى الحد الذي جعل أبي
الفلاّح القروي
الذي يجد دائماً
حلولاً لكل شيء
عاجزاً عن فعل أي شيء لإنقاذنا؟!
في هذا الموسم تحديداً
وضع أبي يداهُ برفق
وأطبق على جذورنا.
*نص: جعفر العلوي
*من ديوان: قبل أن يرتد باب الندم على أصابعي