حسن المقداد-عمراً واحداً

في عالم الرؤيا مررت بشهرزاد
وكان بي تعبٌ
جلستُ جوارها
فسرى إليَّ أقاحُ محضرها اللطيف..
قالت:
ترى لو كان عندك فرصةٌ أخرى لتولدَ
ما ستطلب من إلهك؟

قلت:

-عمراً واحداً
ومرافقين اثنين
يحرس واحدٌ حلمي القديم
وواحدٌ أنشودتي
من سلطة التعب الوجودي المخيف..

-تفّاحةً أخرى..
لأكتشف الطّريق مجدداً
وأغيّر المألوف:
لون أصابعي..
حزن الكمنجةِ..
غربة الكلمات..
أغطية السرير..
رحيل أمّي..
والدّخول إلى القصيدة
والرّغيف..

-صَدَفاً لأمسك من أحبُّ عن الرّحيل
لأنني لا أستطيع الحزن بعد الآن..

-صندوقاً أخبئُ ذكرياتي..

-سرَّ تحنيط الفراعنة القدامى
كي أخلّدها
كإحساسٍ شفيف..

-جسداً قويّاً..
لا يطيّرهُ الهواء..
ولا التّراجف قبل ميعاد القصيدةِ..
لا تعاتبه العجائز حين يعبر قربهن
ولا تَهامسُ حوله الفتيات
جذّاب نعم.. لكنّه أيضاً نحيف!

-وجهاً طفولياً كوجهي..

-أيَّ قلبٍ غير قلبي!
ربّما قلباً نسيّاً بارداً
يرمي وراء السور أحزان الحياة..
ولا يفكّرُ بالعبور من الشّوارع
في ازدحامِ الشّاحنات..
يمرُ من أمن الرّصيف إلى الرصيف..

-عينين أكبرَ..
كي أرى كلَّ المشاهدِ
كلّها..
حتّى صغارَ النّمل تجمعُ من شعير الصّيف
حصّتها..
لحصّتها التي ستجيء من بردِ الخريف..

-صوتاً قليل الحزن..
كي أسطيع أن أشدو على قرع الدّفوف..
آذتنيَ النّايات..

-تذكرةً لشخصٍ واحدٍ شهرين في إسبانيا..
حتّى أرى أثر المورسكيِّ الأخير
ومتحف الفن الحديث
وقبر لوركا
حيث أشعل شمعتين هناك
ثمَّ بهِ أطوف..

-وطناً يحبُ بنيه
لا يغتالهم باسم الظّروف..

-نصّاً خفيفاً كالخيال..

-بيتاً صغيراً في الجبال..

-شبّاكَ بيتٍ أزرقاً ويظلُّ مفتوحاً كفكرةِ شاعرٍ..

-عصفورةً زرقاء..
تسكنُ عندَ شبّاكي بلا قفصٍ
تشاركني القراءة والتّأمل
ثمَّ حين تجوع أطعمها الحروف..

-قطّي الذي قتلوه..
أقوى..
أو أشدَّ تحرزاً من نار صيّادٍ يسلّي نفسه بالقتل!
(تنشئةُ القبيلة تزرع القتلى
وتحصد قاتليهم
والقتيل هو الضعيف)

-وقتاً لأقرأ كلَّ شيءٍ
من سطور جرائدِ الماضي..
إلى الكتبِ الكبيرةِ في الرفوف..

-وقتاً لأكتسبَ اللغات..
وأدركَ المعنى بصورتهِ الأصيلةِ
كي أحدّدَ ما الثّقيل..
وما الخفيف..

-وقتاً لأفهمَ ما يضمُّ الكون في أرجائه..

-وقتاً بطيئاً..
ربّما وقتاً أليف..

-وأريد
أصحابي الذين تفرّقوا..
صوري التي ضيّعتها..
قلمي..
قميصي التركواز..
سواريَ الفضيَّ من أمّي..
اسمراراً من أبي..

-وأريدُ سيّدتي التي أحتاجها حتّى أكون
فكلُّ عمرٍ آخرٍ من دونها عمرٌ سخيف..

يا شهرزاد..
أطلَّ صبحُ النّاس
وانتهت الحكاية
فاتركي لي قلبها والسّر وانصرفي إلى حلمُ الذين يمدّدون الليل..
أتعبني الوجود
ولن أضيف..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى