قتلتُ ربَّةَ الغَرام.
قتلتُ الإلهةَ العابثةَ التي أتلفَتْ حياتي،
وحياةَ غيري.
لقِيتُها بعدَ انتصافِ الليل،
كانتْ تتسكَّعُ على حافةِ النهرِ
في ثوبِها القِرمِزيّ.
بدتْ جميلةً، وهي تنظرُ ساهمةً
باتّجاهِ الماء.
شَعرُها الطويلُ كان مزدانًا بلمستيْنِ
من ضوءِ القمر.
لبثتُ بَرهةً أتأمَّلُ حضورَها الجائر.
وكلما ازدادَ بهاؤها في عينِي،
صَحَّ عزمِي على استدراجِها
إلى مصيرِها.
“مساءُ الخيْرِ يا سيِّدتي”
تلفَّتَتْ نحوي بعينيْنِ سوداويْنِ،
خُيِّلَ إليَّ أنهما تنظرانِ ولا .. تُبصران.
قلتُ: أنا رجلٌ حزين،
رجلٌ حزينٌ تركَ في البيتِ زجاجةً كاملةً
من شَرابٍ مُعتَّق،
وليسَ ثَمّ من ينادمُه.
تبسَّمتِ المرأةُ بشِفتيْنِ مضمومتيْن،
ثم قالت: لا بأس،
لا بأسَ شريطةَ أن تعيدَني إلى هنا
قبلَ انقضاءِ الليل.
أعددتُ لها كأسًا مسمومةً،
بينما هيَ مشغولةٌ بتأمُّلِ لوْحةٍ مُقلَّدةٍ
لبيكاسو،
كنتُ قد ابتعتُها ذاتَ يوم
من صالةٍ للمزادات.
مضَى بنا الوقت:
كلما أتَتْ صاحبتي على كأسٍ،
ناولتُها أخرى،
حتّى تمدَّدتْ فوقَ أريكتي مثلَ غابةٍ
من بنفسجٍ يشتعل،
وذهبتْ إلى الموت.
..
عبرتْني رَجْفةٌ،
فحملتُ الجُثَّةَ الخفيفةَ إلى حيثُ شاءتْ
صاحبتُها،
وألقيتُ بها .. في لُجَّةِ الماء.
المدينةُ الآنَ مقلوبةٌ كأن إعصارًا
مرَّ بها:
الناسُ حَيْرى،
يسألونَ عن إلهةٍ كانَ يخضَرُّ تحتَ خطوِها
العُشبُ،
ويشهقُ الرَّيْحان.
الشُّعراءُ تعطَّلوا،
جفَّتِ الأقلامُ في أدراجِهم،
وانطوتِ الصَّحائف.
صاروا، يُروْنَ هائمينَ في الطُّرُقاتِ يُفتِّشونَ
عن القسْوة.
أجل القسْوة!
تلك التي طالما تقلَّبُوا في فِردوسِها الملعون،
كي يعثروا على المعاني الضائعة.
..
أما المحبُّونَ،
فقد انصرفوا عن المحبِّينَ بعدما نشفَتْ
قلوبُهم،
وخَلَتْ من الفوضَى،
بل راحُوا يخوضونَ في نَعماءَ من طُمأنينةٍ،
ومن سأم.
قتلتُ ربَّةَ الغَرام،
وليس عندِي الآن ما أفعلُه.
أُمضِّي النهارَ بطولهِ أخُوضُ في نَعمائي
كغيري،
حتّى تكِلَّ ساقاي.
وفي الليل،
أتمدَّدُ على أريكَتِي، وإلى جواري كأسٌ
مسمومةٌ.
غيرَ أنني، لا أجدُ من يحملُ جُثَّتي
إلى الماء.
*نص: عاطف عبد العزيز