العجائزُ فرغنَ من عملهنَّ القائمِ على تنظيفِ الميت، وسدِّ فُوهةِ مؤخرته بالقطن الجاف كي لا يخرجَ شيءٌ ما يفسدُ الجنازة.
خرجنَ من الغرفةِ المتوسطةِ، وهن يحملن أوعية البلاستيك التي يتأرجحُ فيها ماءُ الصابون العطن.
حرارةُ الجسدِ المسجى في السابعةِ مساءً من ديسمبر 2024 مساويةٌ تمامًا لدرجةِ حرارة الغرفة، وهذا يعني موته. أن تُصبحَ أشبهَ بالحديدِ والخشبِ وقماشِ الأرائكِ ومقابضِ الأبواب، حين يركدُ الدمُ الذي تحرَّكَ دومًا في جسدك لسبع وستين عام.
أشياءٌ أخرى حصلت لبعض الموتى مؤخرًا، مثل اللون الأصفر المخاطي المتجانس الذي انسدلَ على الوجه والجسد، والشعرِ الذي أصبحَ أشبه بخيوطِ صُنعية، فبات الرأسُ كأنه رؤوس الدمى..
لا يمكن للميت الآن إلا أن يتماهى مع بلاطة القبر المستطيلة الرخامية التي يضعونها فوق جسده، (وكأنه عائدٌ للحياةِ مجددًا في نومهم، أو لدى انتهاء المراسم، وهم يمنعونه عن ذلك الفعل المتمرد).
لا أعلمُ كيف ماتَ هذا الرجل في بيتنا، هكذا فجأةً، ودون أن ندعوه لزيارتنا، لكن امتلاء البيت بالزوار أحدثَ خللاً عامًا في البيت، مكَّنني من التسلل خارجًا إلى بيت صديقي.
حين أزورُ فرات؛ يفتحُ البابَ ويضمني قائلاً بأنني موجةُ بحرٍ في أغسطس. لم أرتجف حقًا يومًا حين كان يخلعُ عني ثيابي.. كان يصعدُ ويهبطُ فوق جسدي بانتظامٍ مثل الأنفاس، والبطانيةُ الحمراءُ فوق كتفيه، تجعله مضحكًا بعض الشيء…
قبلاتي حارة ، ولعابي حلو مثل ماء..
يبحث أيضًا عن المزيد بين ساقيَّ، ويخرجه إلى عالم الصقيع بأصبُعِه الوسطى مثل بطانة..
أفكر أن حرارة جسدينا وحدَها تفصلنا عن موتنا، أنا وهو في هذه الليلة القارسة دون محروقات!
التفكير بالأشياءِ الجامدة يغيبني للحظاتٍ قبلَ أن أجدَ يده فوق الحلمة..
في الحادية عشر صباحًا تقريبًا نستيقظُ معًا وكأننا ننجو.
أشعةُ الشمس تغمرنا من الشباك، لكنه لا يزال منشغلاً بي وكأنني ربّة، وقد فات وقت الجنازة!
ندى قطان – سبتمبر 2024