معزوفة الماسورة والماء – محمد العنيزي

أنا يوسف السَّبّاك صاحب الذاكرة الحيّة، المزدحمة بالشوارع والبيوت والمواسير وخزانات المياه .. لازلت أذكر تماماً كل الحنفيات والمواسير التي أتقنتُ سباكتها في بيوت المدينة .. وشبكات من المواسير تكفي لبناء جسر كبير.

بَصمتي محفورة في مواسير البيوت الجديدة .. وفي ذاكرة الشم رائحة الإسمنت المعجون بالماء والرمل في أيام التعب اللذيذ. 

أنا صديق الحنفيات، وعرَّاب المياه المتدفقة، تسكنني رغبة جامحة في رؤية ذرات الماء تلمع تحت أشعة الشمس،  وأعشق رائحة البلل في التربة والأعشاب، لو كنت قاصا أو روائيا لكتبت أجمل القصص والحكايات بلغة عذبة، تشبه سريان الماء العذب عندما أطلقه في المواسير الفارغة بعد الانتهاء من تركيبها. 

تعرفني المواسير المزروعة في الجدران، كلما أحست بوجودي غنى الماء في جوفها .. محتفيا بإطلالتي مع مفتاح (الجيروتوب)، أعمل طوال اليوم بثياب مبللة .. وعندما أغادر أترك ورائي بقع مائية تبعث البرودة في المكان، ثنائية الماء والبلل أضحت جزءاً من حياتي اليومية، وكلما مر يوم دون أن أعمل أفتقد برودة الماء وخريره، الماء حياتنا، طهارتنا، سر الوجود، ومتعة الشراب. 

في أحيان كثيرة يتدفق الماء غزيراً من المواسير، يغرق المكان حولي بالماء، تفيض البحار في حجرتي، تسيل فيها الأنهار، يتسلل إليها ماء المطر، فأتحول إلى دفقة ماء تجوب بحار العالم، وتنعم بالبرودة. 

أنا يوسف السَّبّاك، وهبتُ حياتي للماء والبرودة وتعب المواسير والحنفيات، يوماً ما عندما أنام في قبري، ستتحول عظامي إلى مياه جوفية تتسلل إلى باطن الأرض.

*نص: محمد العنيزي

زر الذهاب إلى الأعلى