سُعال – عبدالله ناصر

كان جدي يسعلُ طوال اليوم كما لو أنَّ شيئاً قد عَلِق في جوفِهِ. كلَّما سَعَل تزحزح قليلاً ذلك الشيء ثمَّ عاد إلى مَكانه. هكذا يقول جدي. أما الطبيب، فيخبرنا أنَّ جدي أكثر عافية من أبنائِه، بل وحتَّى من أحفاده.

كان يسعلُ حتَّى أثناء النومِ فيبدو كمن يلفظُ أنفاسَه الأخيرة. وحالما يفتحُ عينيه يتنحنح لدقائق، ثم يشتبكُ مع السعال، فيطرحهُ يمنةً ويسرة مثل رقَّاص الساعة. يشربُ الماء، ويعاودُ السُّعال بوتيرةٍ مُغايرة. يشربُ ويسعل، حتَّى يَنهك تماماً، وينام.

كان سعاله يملؤني بالطمأنينة، لطالما فكَّرتُ بأنَّه سيكون كافيًا ليتراجع اللصّ، ويُغيّر وجهته إلى بيتٍ آخر. وبمرور الوقت صَار سعاله أقوى حتَّى بات يتردد في محيط قُطره ثلاثة أحياء سكنية، خلتْ تمامًا من حوادث السرقة. استعان بهِ رُعاة الغنم، فطَرَد الذئاب بعيدًا، وعلَّموا كلابهم كيف تسعل مثله بدلًا من النُّباح. وعندما عرض أحد التُّجار على جدي حِراسة مخازنهِ رَفض أبي بشدَّة مع أنَّ جدي بدا متحمساً للفكرة، ليس فقط لأنَّ العقد مُغرٍ، ولكن لأنَّه سَئِم الحياة الرَّتيبة للمُتقاعدين.

زادَ سُعاله حتَّى أقلق راحة البَلدة. كلَّما فتحنا الباب، وجدنا أحدهم يتذمَّر من جدي، أو يُلقي علينا دواءً جديدًا للسُّعال، حتَّى تكوَّمت الأدوية عند الباب مثل أكياس القُمامة. وعندما نُفاتح جدي في الأمر يَشرع في البُكاء، ويقول إنَّه لا يُمكن أن يموت قبل أن يُخرج ذلك الشيء من جوفِهِ.

تسلل فجرًا من البيت، ولم نَعُد نعرف عنه شيئاً. زعموا أنَّه عضَّ أحد الأطفال وأصابه بداءِ الكلب، حتَّى إنَّ أبي جاء بكمَّامةٍ وسلسلةٍ كبيرةٍ وقال: «سأحبسهُ في القبو حالما أعثر عليه». رُغم مضي ثلاث سنواتٍ على رحيلهِ. كلَّما سعلَ أحدنا، أجهَشَ أبي بالبُكاء.





*قصة: عبدالله ناصر
*من كتاب: العالق في يوم أحد

زر الذهاب إلى الأعلى