البوابةُ الحديديةُ التي ظلَّت طويلًا لا لونَ لها،
تُطلى بالأخضرِ الزاهي
العاملُ يصفِّرُ أغنيةً، ويجولُ بالفرشاةِ بين ثنايا الحديد،
فتكتسبُ الزخارفُ التي على شكلِ نباتاتٍ حياةً حقيقية.
إنَّهُ البنَّاءُ يعملُ طابَقًا فوق المدفن،
صنعَ سُلَّمًا بالداخل، والآنَ أتى دورُ الحجرات
الحجرُ فوقَ الآخرِ في استقامةٍ يندهشُ لها
الأبُ، الذي يُراقبُ اليدَ وهي تعمل.
البنَّاءُ يُصفِّرُ أغنيةً،
بينما الأختُ التي تجلبُ الماءَ على رأسها
من حنفيةِ الزاوية،
تهتزُّ في مشيتها،
فيغمرُ الماءُ ثدييها وعنقها.
الأمُّ جلست على حجرٍ جوارَ شجرةِ الخروع،
تعملُ شايًا للعُمَّالِ، وتستقبلُ الجارات.
مع الغروب سيأتي العريسُ من العمل بلحيةٍ نابتةٍ،
فيما العُمَّالُ يجمعون أدواتهم،
ويجلسونَ في حلقةٍ يحتسون الشاي.
*
المدفنُ يتحولُ إلى بيتٍ من طابَقين،
الشُّبَّاكُ سيكونُ في الوسط، وسيُطلى بالأخضرِ
الزاهي كالبوابة.
السقفُ من الخرسانة، وماسورةُ المياه تمتدُّ من الزاويةِ
تحت الأرض، وترتفعُ إلى إلى الطابَقِ الثاني،
وستأتي العروسُ، طالبةُ الثانوي، النحيفةُ السمراءُ
سعيدةً وخائفة، وسطَ الزغاريدِ وماكينةِ الكهرباءِ
التي تضيءُ ثلاثة صفوفٍ من اللمباتِ الملونة،
وأغنياتٌ تحكي عن رجالٍ أقوياءَ يذبحونَ قططًا
أمام زوجاتهم.
وزوجاتٌ ماكراتٌ يتظاهرنَ بالخوفِ من رجالهنَّ،
ثم يحتضنَّهم بقوةٍ، ويفاجِئنَهم بقبلاتٍ وآهات.
البوابةُ خضراء، وجرسُ كهربائيٌ يصلُ إلى الطابَقِ
الثاني، له شقشقةُ العصافيرِ، والموتى في الطابقِ الأولِ
قد أُخذوا بالمكيدة،
محجوبونَ، لمزيدٍ من القمع، بستارةٍ زاهيةٍ
تفصلهم عن الأختِ والأمِّ والأب.
*
مساراتُ الصوتِ في الهواء،
تلكَ التي احتلَّتها الأرواحُ وملأتها بلغاتِها الكثيفةِ اللزجة؛
ضربَها الزلزال.
ما لم يُخطِّط له المحتلُّون،
ما أظهرهم مساكين بحق:
أن يسقطَ الأحياءُ مع المطر.
الآن،
الأرواحُ تستندُ بعزيمتها المشحوذةِ
خلفَ الصخورِ واللغاتِ التي
وُسِّدت بها مساراتُ الهواء،
محاوِلةً ضبط تقهقرها،
بينما الأحياءُ يتصايحونَ في مواضع الهمس،
ويحسبون كُلَّ سنتيمترٍ جديد يحتلُّونه.
الأرواحُ تنظرُ للأحياءِ مندهشةً من جرأتهم،
بينما الأحياءُ يتجاهلونها متقدِّمينَ
إلى نقطةِ اللقاءِ العادل،
لا يخجلون من خطواتِهم على العظام.
*نص: كريم عبد السلام – من ديوان: فتاةٌ وصبيٌّ في المدافن – دار الجديد