لم يعد من الحربِ إلا رأسي
وضعتها العائلةُ في النيش
أمامَ طاولة الغداء بالضبط
كي يقرؤوا الفاتحةَ لي قبل كلِّ وجبةٍ
كي يُشاهدها الضيوف
فينحنون،
وهم يُلقون بدموعِهم على الأرض
کقرشٍ يُرمى في يدِ مُتسوِّلٍ
مع الوقت
لم يَعُد يهتمُ بي أَحدٌ
وَضَعوا فوقَ رَأسي إبريقاً نحاسياً ثَقيلًا
واحدٌ عَلَّق في أُذني صِنَّارة
واحدة خبَّأتْ في فَمي قِرطًا مَسروقًا.
الصِّغار
لَعَبوا بي كثيرًا
عندما غابَ أَباؤهم في الخارج.
صَفَعوني مرات
وَضَعوا أصابعهم في أَنفي
وبَقبَقوا من الضَّحك
مرَّةً دَحرجُوني على البلاط
وصَرَخوا فرحين بإحراز هَدَفٍ
أمَّا الكُبار فَتَركوا النملَ والعثّ
يَنمو حولَ رَقَبتي
مثل عقدٍ نادرٍ جَميلٍ
لكن لا أنكر
أنَّهم غَنُّوا في عيد وَفَاتي
Happy death day to You”
سنة حلوة يا جميل”
وأشعلوا النارَ في شَعري بَدَلًا من الشَّمع
بسببِ التَّقشفِ وانهيار الاقتصاد العَالَميّ
لا أنكر
أنَّهم دائماً في ذِكرى الحرب
يُشاهدون الأفلام التي يَبُثّها التلفزيون الرَّسميّ
وهم يأكلون البَطَاطا
ويَهرشون رُؤوسهم
محاولين تَذَكُّر شيءٍ ما
مع الوقت
نَسَيت العائلة الأمر
استعمَلوا رأسي في أشياء أكثر نفعًا
مرَّة رسمَ مُدرّسٌ خُصوصيّ عَليها خريطة
وقال متأثرًا وهو يُشير بطرف أنفه:
هنا قامت الحرب الكَبيرة
وفقدنا “شُہداء” كثيرين
مرَّة عَلَّقها أحدهم في النَّجفةِ
وتعلَّم على وَجنَتيّ اللَّكم
حين تَهَدَّم المنزل
تَرَكُوني هُناك
وحيدًا على البَلاط
مثل كرَّة قَديمة مَفقوءة
عينايَ مَفتُوحتَان
منهما تنطلقُ الرّصَاصَات
وترتدّ إليّ.
*نص: محمد أبو زيد
*من ديوان: جحيم
يمكن أيضًا قراءة: حيث السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة – سيف الرحبي