سجن المادّة في نشوة على شكل شبح – ريناد رشيد

هي والخليقة بين قضبانٍ حديدية


كانت تلك الشهور الأكثر غموضًا، الظلال كلها انتشرت حول كلماتي، ليست حتى وحوشًا، ليست حتى أعداءً. إنها بقايا شيء لا يمكنني حتى تعريفه، لا يمكنني حبسه داخل کلمات كما يحبسني لهيب الأشباح. بقايا شيء فقدته بين قضبانٍ حديدية، أنت لم ترها، هم لم يروها. قضبانٌ حديدية تجهل حاسة البصر، وتعرفُ حاسَّة اللمس. فقدت يديك بينها، فقدت صوتًا، عظمًا، ولحمًا، بين قضبان حديدية لم أرها. أنت تحسب أنني حبستك في ضلعين، بينما أنا فقدت الضلعين اللذين عشت أنت بينهما. أنت تحسب أنني أتجول في أنفاسك الميته، بينما اخترت أنا البقاء تحت تراب جثتي المؤجلة. عندما أنكرت أنت (هي) التي تعلمت حقيقة أنها هي باتحادها مع روحك، هي ضاعت في عبثية الوحل. عندما أضعت أنا (هي) في العبث الذي خلقته أنت لنا، هي تشكلت في هيئة الله لتقتل كلينا. أنت لم تعثر علينا، ولم تدعي لتدرك حقيقة تشكّلنا. لقد سمَّيتَه شراسة الأشياء، ونسيتَ أن الأسماء هي الوحل الذي قتلنا في بداية خلقنا.

الجنس كجبل إيفريست


أتعرّف على صوتي من خلال الطريقة التي ينكره بها وجودي. هل تعلم أن الصدى أحيانًا يكون بلدًا يعبره الصمت؟ لم أخبرك لأنني كنت خائفة من أن أجدك هناك. الهراء الذي كنا نقوله لبعضنا البعض، أن الكهوف، والرأسمالية، والصحراء التي ظننت أنني مدفونة فيها؛ لا يمكن أن يستعبدونا، أنت وأنا، لأننا نستعبد أنفسنا بأكثر الطرق الممكنة ليستعبد شخصان أحدهما الآخر. أشعر أن الصمت الذي يحبسني في مكان بعيدٌ عنك، يصرخ لي عندما أكون قادرة على رؤية وجودك من خلال جسدك بالكامل، وأنت تسألني باستمرار “هل لدي شكلٌ جسديٌّ كامل؟” افتقار اللمس مرآة للوجود القابل إنكاره. لقد أنشأت يداك نظامًا جديدًا لجسدي، بحيث لا يستطيع أحدٌ أن يفهم خلاياه عداك. وفي كل مرة، تُعيد بناء هذه المدينة بعد أن تدمرها. عندما دُمجنا معًا، قفزتُ من جبل إيفرست. كنت تخبرني بأننا انتحاريون كلما تضاجعنا: هل استخدمنا لحم بعضنا البعض لنصل إلى الموت؟ كان من الممكن أن أفقد هويتي التي كانت ترتعش ببطء أمام لحمك. لقد همس فمك باسمي وتعرّف على الكون كله. الآن فمك يقول كل شيء لأي شخص، لكنه لا يقول اسمي. ألا تريد أن يعرفني أحد عدا فمك؟

أين أنت الآن؟


في المرّة الأولى التي قررت أن أحاول تجاهل أثر قضيبك الذي يملأ فرجي، أن أتجاهل أثر معاملتك لي كعبدة مغلولة، تحت سقفنا الوحيد. أن أتجاهل طعمك الذي يتناثر من فمي، حين أتأوه باسم رجلٍ آخر. لاحقني شبحك وبات يحوم حول المكان، السرير، الأجساد. رغم محاولتهم البائسة في دمج جسدي، مع جسدهم، كنت أتنّحب بصمت. كنت أعوي باسمك، في داخلي أعوي، أنده لك. أين أنت الآن؟ لماذا دمائي لا تملأ سريرك؟ لماذا دمائك لا تملأ ثوبي؟ أين أنت الآن؟ بعد أن تحوّلت إلى غبارٍ وتلاشيت من جسدي. بعد أن تعرّفت على خلاياه للمرة الأولى، حين كان قلبي ينبض فوق لحمك الهامد كجثة.

أيُّ لعابٍ يحتاجه أكل لحوم البشر؟


كانت تلك اللحظة التي اعتقدتُ فيها أن وجودك معروف فقط تحت قدميّ، اعتقدتُ أنك نُفيتَ من حياتك لأنك تلاشيتَ عندما غبت أنا عن الموت والظلام اللذين تشاركنا. أنت سمحت لأخرى أن تحاول تخبئة الدمار الذي سببتُه عندما همستُ باسمك للوجود. تركتها لتعطيك المعنى المعاكس لما كنا نستطيع أن نفعله لعبث هذه الدول. اختبرتُ غرابة اللُعاب عندما لم نكن نعرف طريقة للحب عدا أكل لحم البشر. الآن “أنا” هي هذا الموسم اليائس للغابة. الآن “أنا” هي ما تبقى من “نحن” لهذا الربيع عديم القيمة.

إجهاضٌ في حديقة مدفونة


أنت تعتقد أنك تحترق في الأفق بينما الأفق لا يعرفك. أنت تظن أن قدميك لا تلمسان الأرض، وتعتقد أن رأسك ضائع في السحب والضباب؛ بينما قدميك ورأسك قد قُطعا. إنك ترى الجميع يركضون في حقل بينما جثثهم مفقودة، ووجوههم في حديقة مدفونة. بينما أنت لا تزال معلقًا في الظلام بمفردك. تعتقد أنك “كامل” بينما كل جزء من جسمك مليء بالثقوب التي يتسرب من خلالها الضوء. الجنة بالنسبة لك تبدو كجحيمٍ ملوّن، والاحمرار ليس ما يحرقك، ما أحرقك هو كل تلك الألوان التي توقفت عيناك عن التعرف عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى