أعرِفُكِ
أعرفُ من أيِّ فِجاجٍ تَتَسلَّلين إلى
فِراشي
أيُّتها المُستبِّدة في فمكِ غصن الانتقام
أنا الذي كنتُ عارياً
فألبستِني جسدَكِ
مشرَّداً فكان رَحِمُكِ منزلَ الغريبِ
مدبوغاً بالأرقِ والمحنةِ
فكنتِ فتنةَ النبيذ حين يندلقَ
بحانةِ القطار
في ليلنا الأخير.
المُستبدَّةُ عن شقاءٍ وعن بَهجةٍ
عن جفافٍ وعن مَطرٍ
تَعوين من فرطِ الَّلذة، أمام
القمر المُعتم الذي يَقتحم النافذة
في المدينةِ الكبيرة التي يَعلوها
الدُّخان والعَويل.
جنَّتُكِ المُغلقة
أحومُ حَولها سكرانَ من ترفِ
الصدمة، ألعقُ فيضَ الُّلعاب والعِطر
وأشتمُّ رائحةَ الأسلاف في كهوفِهمِ
البعيدة.
أعرفكِ الآن جيداً
عبرَ غِيابَاتنا وأشلائِنَا
عبرَ انمحاء خِصركِ في الغَابةِ
الغيابُ إقامةٌ في الرُّوح –
أصبحتُ أكثر سطوعًا في عين جَوَارِحي
أكثر اقتناصاً لبروقِ اليُتم
أغالبُ موجكِ اليَوميّ كي أَستطيع السَّير
وأستجديهِ للسببِ نفسه
أيَّتها القادمة من فِجاج الرَّأس
مسوقةً بأحلامكِ
مسوقة بالدمع ينسكب من
أفواهِ الجبالِ
بشعوبٍ أَنهكها القيظُ وحيوانات
الصحراء
نورُكِ المُتسلّل إلى عَتمةِ كَوابِيسي
نورُكِ القَليل الرَّاشح من مَغيبهِ
لا يُضاهيهِ الكَمال في عَرشهِ الكُلِّي.
أعرفكِ
أعرفُ الغضبَ حين يُضيء مَفاتنكِ
أعرف الشرَّ حين تَنضحينَ رغبةَ
الفِراش
يا ذهباً يبحثُ عنهُ العميان
في مناجمٍ منهارة.
في فمكِ غصن الانتقام
أيَّتها الكراهية
يا من لا تنوء حملًا بثقلِ طُيورها
تتنزهين في صَبَاحاتي
صباحات البشر الكَئيبة
في هذهِ المَدينة المَقصوفة بالشهب
والدكاكين
تأوين إلى فراشي
مُدلَّلة، جَميلة، بَاذخة،
مُوغلة في استعراضات حشودكِ
في حظائر مخلوقاتكِ
وأبقاركِ
في دولكِ الكبرى والصغرى
موغلةً في الصَّرخة مقذوفةً من
فم الملاكِ
يا من امتدحكِ الشِّعرُ
وخضعتْ لكِ المُحيطاتُ
لستِ القيامةَ ولا نذيراً بها
أنتِ عجينةُ الكائن
علّة الجنسِ بين عَشيقيْن
انبلاجُ فجرِ الذرَّة
رفسة الطّفل لجدرانِ الرَّحِمِ
وأنتِ أيضاً
التي تُدربين الصّبية في المخيمات
على السعي نحو العَدالة
وحمل السلاح
المنفيين على حبّ الخيانة
والمُقيمين على البلادة
أنتِ بجناحيكِ الكَبيريْن
تجوبين البسيطة
بحثاً عن لمسةِ الرَّجل نحو المرأة
التي يفترسها السرطان.
أنجزتِ المُهمة بضراوة السِّباع
بفداحةِ الطُّوفان الذي جرف
السفينة والحمائم
وبقي وجهكِ على غَمر الماء
خالقة ومخلوقةً
سعيدة بكونكِ الجديد
سعيدة بزواج أبنائكِ من بنات آوى
ينتحبن فوق قمم الجبال
أيَّتها الكراهية
يا بصقة الكائن في نزعهِ الأخير.
*نص: سيف الرحبي
*من ديوان: يد في آخر العالم