كي لا تمر على بطئه سيرة العطش – علي صلاح بلداوي

1
أفقدُ رغبتي
مثلَ الأشجار التي تنمو على طريق المقبرة
وتشاهدُ أخواتها
كيف تحوَّلنَ إلى توابيت.

2
العلبةُ فارغةٌ من السّكائر
أعطني غُصنًا من شجرةٍ مهجورةٍ لأُدخِّنه
وافْتَح النوافذَ
حتّى يكون للعصافير المسجونة في ذاكرةِ الدُخان
متَّسعًا للهروب.

أعطني إصبعًا من أصابعكَ التي لم تلمسها امرأة
لنثقِّبه، ونجعله نايًا لسهرنا الطويل
وليلنا الذي لا ينتهي.

أعطني عينًا مليئةً بالدموع
لأن حزننا يابسٌ جدًا
وآبارنا، سرقها الجفاف، فصارت بعيدة.

وبضع دقائقَ أخرى
أُريد أن أقضم ما تبقّى من أصابعي
ثم دعنا نكمل هذه الليلة في الشارع
مثل الكلاب السائبة.

3

حاملًا حقائبي
أبحثُ عن المصابيح
لأفقَأ عيونها
متعثًرا بالذين تركوني
يدورون حول نواحي مثل القطط
هائمًا على وجهي
في البراري التي تفصِل السرير عن الشارع
أحاول الخروج لوحدي
وفي كلِّ مرةٍ
لا يتشبَّثُ بجيوب معطفي
سوى مِقبضِ الباب.

4

أعرفُ أنَّكِ ريحٌ هاربة
وأعرفُ أنَّ شِباكي مثقّبةٌ
مثلُ جُثّةَ جنديٍ يقفُ على الحياد
لكنّني أمارس عادتي
في رَميِها عليكِ وقت تمرّين
حاملةً حقائبكِ
من الرَّمل وأكياسِ الخيبةِ التي تصفَعُ وجهي.

أفعل هذا
لأُصغي بلذةٍ
لصوتِ اليأس
حين تعود شِباكي
في كلِّ مرّةٍ إلى الأرض
فارغة.

5

مثل من يرمي حصاةً على الشجرة
تصحوا الحمامات في عينيكِ فزعةً
ويتردَّدُ في جسدكِ خفقان الأغصان.

لا أعرف كيف أقرأ ملامحكِ الصباحية
إنها نفسها طوال الوقت أيضًا
لكنَّني لمحتها مرةً في عَيْنَي حمامة
تقف على الحائط
وتسمع كيف يتكسّر تحت أقدام القتلة
عشّها.

6

في نهايةِ كل يومٍ
وببهجةٍ عارمةٍ
أصَفِّقُ لنفسي
كأيِّ عدّاءٍ ظلّ يجري نهارًا كاملًا
كي لا تمرّ على بطئه سيرة العطش.

أحتَضِنُنِي
مثلَ جنديٍ سبق الرصاصة إلى البيت
ولم يتعثّر بجثته أحدٌ في الجريدة.

أربِّت على كتفي
كأن الخسارات هي ربحٌ آخر
حين أجد اسمي في نهاية كلّ يوم
ضمن قائمة الذين بأعجوبة
نجوا.

7

فيَّ من عَجزِ القواربِ ما يحرمها
من حكِّ حرقةِ الملح
في جروحها.

فيَّ من شعورها
ما حسبته غرقًا
حين استغل النهر ثقبًا قديمًا في القلب.

فيَّ من نظرتها ما يكفي
لأواجِهُك بكلِّ خساراتي
أيُّها الحب.

8

مثلَ نسمةٍ مطرودةٍ من عاصفة
لستُ مخيفًا بما يكفي
لكي أحرِّكَ ناقوسًا
أو أغيِّر مسارَ خصلةٍ
تتدلّى على خدّ امرأة.

9
صيّرني حبكِ حكيمًا
كما يفعل الرعد مع السنابل
حين يروِّضها على الصمت
في ظلام الحقول
وتركني بلا مجرى
كأيِّ ماءٍ لم يجد ساقية
فظلّ يحكُ حَيرَته لأن لا رأس له
حتّى أغْرَتهُ الجهات
فتشتّت.

10
كنتُ النبتة التي
نَجَت من المزاج السيءِّ للعاصفة
والتي بلا خوفٍ
خزرت بعيونها قساوة البرق
وظلّت تنتقي من عمق الفيضان
حبّات الهواء الضئيلة.

كنتُ أيضًا
النبتة التي حينما سَمِعت صوتكِ البعيد
لحالها انكسرت.


*نص: علي صلاح بلداوي

زر الذهاب إلى الأعلى